استفزني رد مسؤول واجهته بضعف إدارته وتجاهلها لمطالب الموظفين المتكررة لمستحقاتهم المالية التي صرفتها إدارات مشابهة أخرى في وقتها، حيث قلت له: ألا تخشى أن يقوم الموظفون لديك بإيصال أصواتهم ومعاناتهم للصحافة؟، وجاءني رده صادما، حيث قال واقتبس هنا بالنص: «خليهم يكتبوا انت شايف الجرائد كلها مشاكل ولا جانا شي». مناعة المؤسسات الحكومية وعدم اكتراثها بما ينشر في وسائل الإعلام، وخصوصا الصحافة، صار واقعا ملموسا، وهذا ــ بلا شك ــ قوض دور وقوة السلطة الرابعة (المعنوية) التي تأتي في العالم المتحضر بعد السلطات الدستورية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في إيصال هموم المواطن ومعاناته اليومية، إلى جانب أدوارها الرئيسية الأخرى في التنوير ونشر المعرفة والمعلومات. أرجع هذه المناعة المكتسبة، وهو بالمناسبة مصطلح طبي دارج، وأقصد به هنا المناعة التي تنتج بعد التعرض لخبرات معينة، لأسباب كثيرة منها التي تتعلق بالصحافة، ومنها ما يتعلق بالمسؤول، أما الأولى فهي ترجع ــ للأسف ــ لتبني بعض الصحفيين السطحية في التعاطي مع القضايا وإغلاب صوت الإثارة على المضمون المادي الذي يصير تجاهل المسؤول له أوقع بحجة عدم وجود المصداقية في الطرح! والمسؤول في الجانب الآخر قد يلجأ إلى الصمت وعدم الرد على الطرح الصحفي حتى تخبو النيران وتبرد المسألة ويصير الرد عليها يسيرا بعد فترة من الزمن، وشاهدت قبل أسبوعين مثل ذلك عندما قامت وزارة خدمية بسرد ردود على عدة أخبار نقدية لعمل الوزارة نشرت بصحف متعددة في أشهر سابقة، وقامت بنشر رد دفاعي هزيل على كل هذه الأمور ولسان حالها يقول: لقد قمنا بواجبنا بالرد عليكم، فماذا تريدون بعد! أما المسؤول الآخر فهو انفعالي وسريع في رده على ما جاء في الصحيفة إذا كان النقد يتعرض له شخصيا أو لمؤسسته، وتراه يزمجر ويتوعد باللجوء للقضاء ووزارة الإعلام والتهكم أحيانا ليحيل حياة زميلنا الصحفي كابوسا مزعجا وندما على ما اقترفه من ذنب عظيم، ويجعل الصحفيين الآخرين حذرين جدا حتى لمجرد النقد البسيط! وفي الختام، يجب أن يعود للصحافة زخمها وفاعليتها، وأن يدرك المسؤول أن بها يصلح الخلل ويجود العمل، فلطالما كانت الصحافة والإعلام الهادف عين المسؤول لتسليط الضوء على أوجه القصور في إدارته، والتعاطي معها بإيجابية هو مطلب أساسي لصالح الفرد والمجتمع. tobagi@hotmail.com