في اعقاب توقيع الاتفاق النووي بين ايران والغرب في فيينا الشهر الفائت قال احد الدبلوماسيين العرب: اليوم انتهت اللعبة، وهي مقولة عميقة دلت على وجود لعبة دولية خطيرة على العرب ومنطقة الشرق الاوسط فقد تبين وبعد بضعة اسابيع على سريان ذلك الاتفاق انها لعبة اخطر بكثير مما قاله الرئيس الامريكي باراك اوباما في خطابه امام الكونغرس في الثاني عشر من يناير المنصرم والذي حاول من خلاله التبرير لحالة السبات العميق والارتباك الشديد الذي لازم سياسته الخارجية في المنطقة العربية والشرق الاوسط بشكل عام والتي وصلت فيها السلبية غير العادية ذروتها بما حملة ذلك الخطاب الذي إعاد فيه الرئيس اوباما الفوضى المتصاعدة الى الصراع السني الشيعي الذي تشهده المنطقة منذ الف سنة -حسب قوله- وهو تحليل رومانسي بدا في ظاهره غير قادر على قراءة الحالة الايرانية ودور ايران في تعميق هذه الفوضى وحالة الاضطراب التي تتحرك بموجب استراتيجية وضعتها طهران منذ انطلاق ثورة الملالي عام 1979م وهي استراتيجية تقوم على تصدير هذه الثورة الى خارج حدودها من خلال تسليح وتمويل الجماعات والأقليات المذهبية التي يوكل اليها زعزعة الامن والاستقرار في غير دولة عربية، وهنا يجب ان نتذكر ان ايران مازالت تحتل الجزر الثلاث في الامارات العربية ومازالت متمسكة بأطماعها في البحرين ومازالت تعبث بالاوضاع في لبنان وسوريا والعراق واليمن بعد ان بذرت في هذه البلدان العربية بذور الفرقة والتمزق والتناحر الديني والمذهبي والطائفي في محاولة منها الى تجريد دول المنطقة من هويتها العروبية والقومية وإحكام قبضتها عليها ورهنها للهيمنة الفارسية. ولعل التغيير الذي انبثق على غفلة من الزمن بعد التوقيع على اتفاق فيينا ليغير من نظرة الغرب نحو ايران قد دفع بالكثير من مراكز الابحاث والدراسات الى التساؤل: ما الذي تغير ؟ ولماذا تراجع الغرب وفي صدارته واشنطن عن سياساته تجاه التوجهات الايرانية التي كان يعتبرها منذ ان قامت ثورة ولاية الفقيه تمثل تحديا للغرب ومصالحه وخطرا على السلام الاقليمي والدولي الى درجة ان الغرب كان يصنف ايران ب(الراعي الاول للإرهاب الدولي) فما الذي تغير فعلا بين الامس واليوم؟ حتى يتناسى الغرب كل ماتكون لديه من الحقائق عن النهج العدواني والتوسعي لثورة ولاية الفقيه والتي طالما شكلت مصدر قلق لجوارها والمجتمعات الاسلامية والكيان الانساني ؟ فهل هي المصادفة وحدها ام انها كما قرأنا لتوماس فريدمان (لعبة الاوراق) التي جمعت بين الشيطان الاكبر وزعامة محور الشر على طاولة الاضداد مع ان لا شيء قد تغير في نظر كل مراكز الدراسات والأبحاث بالنسبة لسلوك ايران ومفهوم علاقاتها مع الاخر. يتساءل احد المندهشين من التقارب الايراني الغربي: اذا كان الموقف الغربي وخصوصا واشنطن تجاه ايران قد تجسد في فرض العقوبات عليها على اسس المصلحة الغربية ! فما هي المصلحة الآن وراء التحول في الموقف الغربي وعلى وجه التحديد الامريكي ؟ في حين ان خارطة الطريق وشروط الاتفاق النووي التي التزمت بها ايران لا تتضمن أي التزام من طهران بتغيير سلوكها الخارجي وحروبها التي تخوضها بالوكالة في عدة دول عربية حتى وان افتراضنا ان الاتفاق يمهد لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي وهو ما سيظل يثير الكثير من الريبة تجاه التقارب الايراني الغربي وبالذات وان ما حدث كان فوق التصور وفوق الاحتمال حتى على المستوى السيكولوجي. لم يعد هناك الشيطان الاكبر ولا محور الشر وهذا يعني ان المصطلحات ليست فقط وحدها من ستتغير وانما قواعد اللعبة بشكل عام في المنطقة كما لو ان علينا كعرب ان نبدل عقولنا والحقائق الماثلة امامنا حيال الاطماع الايرانية في ارضنا ومقدراتنا على غرار وصف احد السياسيين الغربيين الذي ابدى دهشته ضاحكا من الرسم الكاريكاتوري على الشبكة العنكبوتية والذي يحاكي قصة الصفقة الغربية مع ايران في مقابل التضحية بمصالح الغرب مع العرب وكما لو ان العرب قد استيقظوا ذات يوم وقيل لهم ان عدوكم الاكبر قد مات او اصبح في ذمة النسيان. بكل تأكيد ان هذه الصفقة تذكرنا ولو بصورة خاطفة بما سبق وان قاله ناعوم تشومسكي من ان الولايات المتحدة عملت ومنذ ايام فوستر دالاس وحتى ايام جون ماكين مرورا ببول ولفوويتز على احباط اية محاولة في اتجاه قيام دولة عربية تستطيع التأثير الجيوسياسي او الجيوستراتيجي في الاقليم فقد سعى اولئك بكل جهدهم على ان تظل مصر تحت الاقامة الجبرية كما لم يسمحوا لاي دولة عربية اخرى من الدوران خارج تلك الحلقة الجهنمية ومثل هذا الموقف ينطوي على دلالات كثيرة بما فيها الدلالات الاستراتيجية التي افضت الى التحولات الحالية او الاتية في مواقف الغرب من العرب والذين لابد لهم وان يدركوا ان مقتضى الضرورة الموضوعية التي يفرضها منطق التاريخ والجغرافية يدعوهم الى قراءة هذه التحولات بصورة حاسمة والسعى الى توافق مدروس في الاستراتيجيات بما يحفظ مصالحهم في المرحلة القادمة بعيدا عن الرهان على مواقف الاخرين حتى لا يلدغوا من الجحر الغربي مرة ثانية.