المحفوظ فضيلي في الحلقة العاشرة من سلسلة حوارات الجزيرة نت تسائل المبدعين عن الربيع العربي، نقف مع الكاتبة والإعلامية اللبنانية مايا الحاج التي ترى أن أكثر الأشكال التعبيرية مواكبة لظاهرة الربيع العربي هو فن الغرافيتي. وتقول مايا الحاج إن هذا الفن كان مرادفا للثورات العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة، في إطار مواكبة الأعمال الإبداعية (نصوص وقصائد وأعمال مسرحية) للهزة العنيفة التي تشهدها عدد من البلدان العربية منذ اندلاع شرارة الانتفاضات. وتستبعد الروائية الشابة أن يكون الإبداع سببا محرّضا لاندلاع الحركات الشعبية في الميادين العربية، لكنها تقرّ بأن المبدعين العرب، بمعظمهم، ساندوا الشعوب في مطالبها المحقة بتغيير النظام الدكتاتوري الحاكم منذ سنوات ومحاربة الفساد وتحسين الحياة العامة. وفي تقييم التراكم الإبداعي خلال السنوات الخمسة الماضية ومدى تفاعله مع الربيع العربي، تقول صاحبة رواية بوركيني إن أعمالا كثيرة صوّرت الواقع العربي المستجد لكنها لم تُشكّل حتى الآن مخزونا أو تيارا يُعرف بأدب الثورة أو ما بعد الثورة. وفي ما يأتي نص الحوار. هل كنتم تتوقعون اندلاع الربيع العربي؟ الأنظمة الاستبدادية حكمت عقودا واغتنت من خيرات بلدانها، من دون أن تُقدّم لشعوبها سوى مزيد من البؤس والفقر والجهل، لذا لم يكن منطقيا أن تستمر على هذا النحو من التسلّط والعنجهية وسط صمت مريب. جميعنا كان يُدرك خطورة الواقع ومأساويته، لكنّ القلائل جدا هم الذين توقعوا حدوث هذا الربيع، وبهذا التوقيت. إلى أي حدٍّ تعتقدون أن الإبداع العربي لعب دورا -أو لم يلعب أي دور- في ذلك الربيع؟ لا أظنّ أنّ الإبداع كان سببا محرّضا لاندلاع هذه الحركات الشعبية في الميادين العربية، بل إنّ مواقع التواصل الاجتماعي هي التي لعبت هذا الدور وساهمت في قيام الثورات. المواطن العادي غدا صحافيا، يصوّر الحدث عبر هاتفه الجوّال، ينشره على صفحته، يُعلّق عليه ثم يترك الأصدقاء الافتراضيين يتفاعلون معه كما يريدون. هذه الثقافة الجديدة صارت أكثر تأثيرا عليهم من أي وسيلة إبداعية أخرى (كتاب، مسرح، لوحة...)، وهي التي وضعتهم على طريق الثورة بعدما ظنّ العالم لسنوات أنّ الشعوب العربية تنام في سبات عميق وعقيم. لكنّ هذا لا يعني انفصال الأدب عن الثورة، فالأعمال الإبداعية واكبت هذه الهزّة العنيفة في مجتمعاتنا عبر نصوص وقصائد وأعمال مسرحية، إضافة إلى فنّ الغرافيتي الذي كان مرادفا للثورات العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة. ولكن هذا لا ينفي وجود أعمال إبداعية كثيرة سبقت الربيع بالكشف عن معاناة الشعوب العربية في مقابل تعنّت الأنظمة الدكتاتورية، مثل جوع وغرفة للإيجار للراحل المصري محمد البساطي، ونساء البساتين للتونسي الحبيب السالمي، والذروة للجزائرية ربيعة جلطي، ويا مريم للعراقي سنان أنطون (تصوّر فيها مصير مسيحيي العراق على يد المتطرفين) وغيرها العدد من الأعمال. كيف تقرؤون موقف المبدعين العرب ومواكبتهم الربيع العربي؟ لا شكّ أنّ المبدعين العرب، بمعظمهم، ساندوا الشعوب في مطالبها المحقة بتغيير النظام الدكتاتوري الحاكم منذ سنوات ومحاربة الفساد وتحسين الحياة العامة. وهم بمعظمهم فرحوا وهلّلوا لثورات انتظروها طويلا. فالمثقفون كانوا يعيشون نوستالجيا حقيقية إلى زمن الثورة والانتفاضات، وجاءت ثورتا تونس ومصر، ثمّ ثورات ليبيا وسوريا، لتحقق أمنيتهم بإسقاط الأنظمة الحاكمة واستبدالها بما (بمن) يرتقي ومستوى تطلعاتهم. لكنّ مسار الثورات في ما بعد أصابنا جميعا بصدمة حطمت آمالنا في بناء عالم عربي حرّ وديمقراطي ومستقلّ. ومنذ بداية الثورات حتى الآن، نجد أن أعمالا كثيرة صوّرت الواقع العربي المستجد لكنها لم تُشكّل حتى الآن مخزونا أو تيارا يُعرف بأدب الثورة أو ما بعد الثورة. بعد نشوة الربيع العربي، هل بدت لكم في الأفق بوادر الانكسارات؟ وكيف تقرؤون مآل ذلك الربيع حاليا؟ يصعب إيجاد صفة تلخّص واقعنا العربي اليوم. فما تمنيناه طويلا حصل لكنه أفرز للأسف دكتاتوريات جديدة، بالمعنى العقائدي وليس السياسي. ما آلت إليه الثورات العربية لم يكن أبدا ما توقعناه وحلمنا به. النظرة التفاؤلية أخذت تنحسر منذ أن ظهرت جماعات دخيلة حاولت أن تقطف ما زرعه الآخرون في ميادين الحرية والكرامة، ثم تلاشت نهائيا مع مشاهد التهجير والتجويع والرؤوس المقطوعة. وأمام كلّ هذا الموت والخراب من حولنا لا يمكن أن نختزل الواقع بغير كلمة مأساة، لا أظنّ أنّ ثمة من حاله أسوأ من حالنا على وجه هذه البسيطة. على أي مدى (متوسط، بعيد،...) ترون أن أهداف الربيع العربي (الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والحرية) ستتحقق على أرض الواقع؟ سيأتي يوم تتحقّق فيه هذه الأهداف واقعا، ولكن ليس قبل أن نتدرّب على مفهوم الديمقراطية وعلى طرح الأسئلة والثقة بفردانيتنا لا بالجماعة، وعلى ضرورة تقبّل الآخر والتخلّص من العصبيات الدينية والمذهبية التي تحكمنا. الحلّ مرتبط بقدرة نهوض جيل مثقف يرفض الظلامية الفكرية وكلّ من يروّج لها. هل راكم الإبداع العربي ما يكفي من الرؤى والتصورات ليكون له دور ما في تحقيق تلك الأهداف؟ المشكلة لم تعد في النتاج الإبداعي بل في تأثير هذا النتاج على الشباب العربي. لا شكّ أن مسألة التراكم تتطلب وقتا، لكنّ الأدب -وإن كان لا يُقدّم حلولا بيّنة لمشاكلنا السياسية والاجتماعية والنفسية- يبقى دوره مهما في إيقاظ العقل النائم وتحريضه على الشكّ والسؤال والبحث من أجل بناء تجربة إنسانية حرّة، لا مكان فيها للخوف والخضوع.