أثار موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، ضجة في لبنان وأخرى في السعودية. فقد كان الوحيد الذي امتنع عن شجب الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد. واستنكر عدد من سياسيي لبنان، بينهم رئيس الوزراء، هذا الانحياز ضد الموقف العربي والموقف الإسلامي الإجماعي. ولم يكن ذلك أول تصرف من الرئيس الجديد «للتيار» العوني. لكن هذه المرة كانت ردة الفعل في الإعلام السعودي قاسية. وطالب الزميل جميل الذبياني في «عكاظ» بطرد اللبنانيين العاملين في السعودية. وانتقد الزميل داود الشريان الازدواجية اللبنانية. بالطبع لا يمكن الدفاع عن مواقف وزير خارجية لبنان المرتبطة بسياسة معلنة لتجمع «8 آذار» المرتبط بإيران. ولا يمكن الاعتذار في حدث من هذا النوع عن ضعف لبنان وتوازناته الداخلية المعروفة. ولكن أيضًا هل جبران باسيل هو لبنان؟ وهل هو العلاقة السعودية - اللبنانية؟ وهل يمثل وحده البلد الذي كان يقول عنه الملك عبد العزيز إنه «شرفة العرب». إن أكثر من يعرف وضع لبنان هو الملك سلمان بن عبد العزيز، وأيضًا أكثر من يتفهّمه. لكن حدثًا في حجم إحراق السفارة السعودية يتطلب أيضًا، وفي الحدود الدنيا، تفهم مشاعر السعوديين. وتفهم مشاعر اللبنانيين العاملين في السعودية منذ أكثر من 60 عامًا. وتفهم مشاعر عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تشكل تحويلاتهم الدخل الرئيسي للبنان، في مأساته الاقتصادية، وفي عزوف الخليجيين عن المجيء إليه منذ أن قرر «الجناح العسكري» في عائلة المقداد إغلاق المطار وطريق المطار ودوار المطار، لأن عضوًا من الجناح المدني في العائلة قد خطف في سوريا وليس في الرياض أو أبوظبي أو أم القيوين. في الموقف من إحراق السفارة السعودية، كان هناك مأزق أخلاقي واضح. فقد تنكر للفعل المخالف جميع الأعراف الدبلوماسية، المرشد الإيراني الأعلى ورئيس الجمهورية. وكان في إمكان الوزير باسيل أن يسترشد بهذا الرأي، أو أن يستأنس مسبقًا بمشورة طهران، لكن استقلاليته الذاتية تمنعه من ذلك! أما أن نربط العلاقة السعودية - اللبنانية ووجود اللبنانيين في السعودية بخيارات باسيل، فليس من شِيَم ولا من قِيَم الرياض. وعندما يُخطئ أحد ضيقي الصدور هنا، نتكل نحن دائمًا على سعة الصدور هناك.