كلما استمعنا إلى العنف المتصاعد في العراق عموما، وفي الموصل خصوصا، تذكرنا الخطر الذي يهدد الإعلاميين والصحافيين هناك. منظمة «مراسلون بلا حدود» أوضحت بأن الكثير من الصحافيين العراقيين يتعرضون يوميا للتهديدات، ومحاولات القتل، والاعتداءات، والمعاناة، ويعيشون في أجواء شديدة التوتر والتعقيد. في 23 ديسمبر قتل خمسة صحافيين بدم بارد أمام مقر عملهم. وقبل ذلك قتلت الصحافية والمذيعة نورس النعيمي بعد أن أن سرقت الشنطة التي تحملها. وهي لا تزال في مقتبل العمر (مواليد 1994)، ولا تزال والدتها تحت هول الصدمة، وألم الفراق. وبينما هي تقلب الكتاب الذي كانت تضمه ابنتها وقد رشق الدم على أطرافه، صرخت بأن ابنتها تخلت عن حياتها، لكنها لم تتخل عن كتبها. وبعد القبض على الجاني جاءت به الشرطة إلى الأم، لم يستطع أن ينبس ببنت شفه، ولم يقدر على الحديث، لكنها ابتدرته بقولها «يا ابني أنت حملت وزر ابنتي، لكنك زفيتها عروسا إلى الجنة، أنت أمي جاهل، وهي تتحدث لغتين». الأم تحدثت عن طموح ابنتها الرسامة، التي رسمت شقيقها وهو يبتسم، وكانت تنوي الوصول إلى درجة الدكتوراه في مسارها التعليمي، لكن يد الغدر ابتدرتها قبل أن تحقق أحلامها. لقد سجلت هذه الأم الواعية موقفا إنسانيا تعليميا نادرا، فهي لم تلجأ للتشفي من قاتل غادر جبان، قتل فلذة كبدها، وقدح نارا لا تنطفئ في قلب الأم، بل لقتنه درسا، فأكدت له جهله، وحلقت بإيمانها، لتؤكد أنه زف بنتها عروسا إلى الجنة. لقد ركزت الأم المكلومة الواعية، على قيمة العلم في صياغة الأفعال الصالحة، وخسة الجهل الدافع إلى رذائل الأعمال والأقوال. رحم الله نورسا، وجبر الله على قلبك يا أم نورس، وأعاننا الله، على متعلمين في الظاهر، جهلة في الحقيقة والباطن، يرتكبون الجرائم، ويذبحون بدم بارد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا! الصحافي هو مؤرخ اللحظة، يواجه البندقية بالقلم، تزول البندقية، ويبقى الحرف، لو كانوا يعلمون! عكاظ