×
محافظة المنطقة الشرقية

المسند يصرح: داخل الثلاجة أدفأ من أجواء محافظة طريف

صورة الخبر

تحدث كثير من المواقف بين مفهوم الفزعة واللقافة، فعبدالله يتجنب الجلوس منفرداً مع صديقه أحمد هرباً من أسئلته المزعجة والفضولية مثل: "متي ستنتقل إلى بيتك الجديد؟"، و"كم راتبك؟"، و"ماذا ستفعل في إجازة الصيف؟"، و"لماذا لم تنجب أطفالا؟"، أمّا السيدة فاتن فتحاول البحث عن إجابات مبهمة للخروج من مأزق الرد على أسئلة جارتها ثناء مثل: "لماذا لم تتزوج ابنتك الطبيبة؟"، و"لماذا كنت تتشاجرين مع زوجك ليلاً؟"، و"لماذا تجلس والدتك منذ زمن لديكم؟". وعلى الرغم من المواقف الصعبة التى يمر بها الشاب سعيد بسبب تدخله في الشجارات التى تحدث في الشارع العام إلاّ أنه يصر أن يكون حمامة السلام دائماً، فما أن يلمح تجمهر للناس تجده يوقف سيارته مهرولاً للدخول بينهما لفض النزاع بين مجموعة من الشباب غير مبال بما قد يحدث له ومن دون معرفة أسباب الشجار ليجد نفسه بعد لحظات منقولاً بسيارة الإسعاف بسبب سقوطه مغشياً عليه، ويحاول العم سليمان ترميم جراح العلاقات العائلية التى تتعلق بأسرته ولكنه يصاب بخيبة عندما يصفه أحدهم ب "الملقوف"!؛ لأنه تدخل من تلقاء نفسه، ترى ما الحد الفاصل بين مفهوم الفزعة واللقافة. وتحمل كلمة الفزعة كثيراً من المعاني الجميلة كالنخوة والشهامة والإسراع بمد يد العون والمساعدة لمن يحتاج إليها، أمّا اللقافة فهي تدخل الفرد بشؤون غيره، سواء كان لفظياً أو سلوكياً، حيث يوجد لدى الإنسان دافع نفسي مهم وهو الفضول وحب الاستطلاع، وهنا لابد من تنظيم سلوك الفزعات الإيجابية والحد من السلبي منها من خلال زيادة الوعي الحقوقي وتقديم الاستشارات المتخصصة من خلال مراكز معتمدة، وكذلك تفعيل خدمات الإرشاد النفسي والاجتماعي في المجتمع. مساندة اجتماعية يقول د. محمد بن مترك القحطاني - أستاذ علم النفس المشارك وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: "الفزعة" ببساطة هي مساعدة الفرد الآخرين من حوله، مثل مساعدة الفرد مالياً شخصاً محتاجاً، أو مساعدة الفتاة زميلتها في المدرسة في فهم واستيعاب الدروس، أو مساعدة الموظفة زميلتها الأخرى لإنجاز أعباء العمل.. الخ، مضيفاً أنه تعد الفزعة من عوامل المساندة الاجتماعية، فكلمة الفزعة تحمل كثيرا من المعاني الجميلة كالنخوة والشهامة، والإسراع بمد يد العون والمساعدة لمن يحتاج إليها، بشرط أن تكون هذه الفزعة بالخير وفي الأمور السلمية التي تعود بالنفع والأجر على المحتاج وعلى صاحب الفزعة، متأسفاً أننا قد نجد أحياناً أن بعضهم يُسيء استخدام مفهوم الفزعة، فقد يستخدمها الفرد السيئ لأخذ أموال الآخرين واستغلالهم من باب "أبِ فزعتك"، وهنا على الفرد أن يكون حذراً في تقديم الفزعة والمساعدة للآخرين، فيجب علينا أن نقدم هذه الفزعة في الخير والإحسان والطيب، ولمساعدة المحتاج الذي يستحقها وأن نَحذر من استغلال السيئين لنا، مشيراً إلى أن الفزعة تزرع لدى الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية وذلك عبر الأسرة وجماعة الرفاق والبيئة المحيطة التي يعيش بها الفرد، وهي تختلف بحسب اختلاف تربية الفرد ومفهومه لها. لفظي وسلوكي وأوضح د. القحطاني أن "اللقافة" تختلف عن الفزعة، فهناك خط فاصل بينهما، فاللقافة هي عبارة عن تدخل الفرد بشؤون غيره، سواء كان هذا التدخل لفظياً أو سلوكياً، ومنشأ اللقافة نفسي تربوي، حيث يوجد لدى الإنسان دافع نفسي مهم وهو دافع "الفضول وحب الاستطلاع" وهو عبارة عن دافع داخلي موجود لدى جميع الناس، مع اختلاف درجة قوته بينهم، فهو يستثير سلوكهم ويوجهه نحو التطلع للحصول المعرفة وعلى ما هو موجود في الحياة، وينشأ من مرحلة الطفولة، وينمو مع الشخص خلال مراحل حياته، فمثلاً قد نجد الطفل الصغير يُسرع لفتح الباب إذا سمع الجرس بالرغم أنه لم يَطلب منه أحداً القيام بذلك، وكذلك قد نجد بعض الأشخاص متجمعين ومتجمهرين في الشارع من أجل النظر لحادث سير، وقد نجد بعض الأفراد يُكثرون من الأسئلة الخاصة بالآخرين وذلك من أجل إشباع دافع الفضول وحب الاستطلاع الذي يسمى بالعامية اللقافة، مبيناً أنها غير جيدة؛ لأن بها تدخل بأمور الآخرين، وتنشأ من خلال التربية، فبعض الأشخاص لديهم لقافة عالية وتنتقل إلى أبنائهم وبناتهم من خلال التربية، وعلى الفرد أن يدرب نفسه بأن لا يتدخل بشؤون الآخرين قدر المستطاع، وأن يحترم خصوصيتهم. لا يهنأ له بال وأكد د. القحطاني أن من الأمثلة على اللقافة في واقع الحياة أن الشخص لا يرتاح ولا يهنأ له بال إلاّ عندما يحشر أنفه بكل شيء ويعرف تفاصيل الأمور صغيرها وكبيرها، فتجده يسأل "بكم اشتريت منزلك أو سيارتك؟"، و"من وين اشتريتها؟"، و"ين بتروح؟"، و"وين بتجي؟"، مضيفاً أن المتزوجة منذ أشهر أو سنوات وقد تأخر حملها لا تسلم من السؤال الملح من إحداهن الملقوفة مثل: "ما فيه شي بالطريق؟"، و"ليش تأخر حملك؟"، و"ليش ما جبتي عيال؟".. إلخ، مبيناً أن علاج اللقافة يبدأ من خلال أن يدرب الشخص نفسه على عدم التدخل بشؤون الآخرين، فالحياة مملوءة بالأسرار والخصوصيات، وعلى الوالدين أن يربوا أولادهم على احترام خصوصيات بعضهم بعضا، وعدم التدخل أو التطفل بشؤون بعضهم بعضاً، وعلى المدارس أن تساهم في تعزيز احترام الفرد لخصوصية الآخرين، وغرس القيم الإسلامية الصحيحة القائمة على احترام أخوك المسلم وتقديره وعدم الإساءة له أو التطفل عليه. مساعدة الآخرين ويعرّف د. فرحان بن سالم العنزي - مستشار أسري وأستاذ علم النفس المشارك عميد كلية التربية بجامعة حائل - الفزعة بالميل إلى مساعدة الآخرين والرغبة في حل مشكلاتهم المختلفة كجزء من المسؤولية الاجتماعية وفقاً لتقديرات الذات المختلفة، مضيفاً أن الفزعة يمكن أن تكون ايجابية عندما توجه لتحقيق مصلحة لا تلحق الضرر بالآخر ولا تعود بالنفع المباشر للشخص مقدم الفزعة، مبيناً أنه يتسم أهل الفزعة الايجابية بسمات المبادرة والتفاعل الاجتماعي وإنكار الذات وحب الآخر ولدى أصحابها مظاهر الانتماء القيمي ووضوح الهوية والتقدير الايجابي للذات، وتعد من مظاهر التوافق النفسي ومؤشراً جيداً للصحة النفسية، ذاكراً أنه يمكن أن تأخذ الفزعة مساراً سلبياً عندما يكون من آثارها الإضرار بالآخرين وتغليب المصالح الخاصة ومخالفة الأنظمة الحاكمة، مشيراً إلى أن لهذا النوع من الفزعة دوافع متعددة من أهمها التعصب بأشكاله المختلفة والانتصار للذات وسيطرة اللهو وتغليب المصلحة الخاصة والسعي لتهميش الآخر، ويساهم في وجود هذا النمط عدد من العوامل من أهمها ضعف الوازع الديني وعدم سيادة القانون، وكذلك وجود الخلل في منظومة القيم والأخلاق وتنامي الجهل والتخلف الحضاري، وتعتبر مؤشر لخلل في الصحة النفسية. تنشئة اجتماعية وأوضح د. العنزي أن لعمليات التنشئة الاجتماعية الأولى في الأسرة والمدرسة دور كبير في وجود سلوكيات الفزعة بنمطيها الايجابي والسلبي، وذلك من خلال المشاهدة والقدوة وممارسات الثواب والعقاب لسلوكيات متكررة خلال رحلة الحياة خصوصاً في مراحل النمو المبكرة وتكوين الشخصية، مضيفاً أن لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والجماعة المرجعية، دور موثر في ترسيخ تلك السلوكيات، وفي المقابل فإن قوة بنية المجتمع وتفعيل الأنظمة والقوانين، يعمل على التقليل من آثار الفزعة السلبية ويجعل الحاجة أقل إلى وجود الفزعة عند وجود الوعي وتنامي ثقافة الحقوق والواجبات، مبيناً أن سلوكيات الفزعة قد تتطور إلى التدخل بشؤون الآخرين وخصوصياتهم أو ما يعرف باللقافة التي من مظاهرها ممارسة الوصاية على الآخرين والبحث الطويل عن المعلومات والإغداق في التفاصيل في أسلوب تتبعي. وتكون غالباً بدافع الفضول وحب الاستطلاع أو إحدى سمات البارانويا والغرور بالذات في حالات متقدمة، ذاكراً أنه يمكن تحديد الخط الفاصل بين ما يعرف بالفزعة واللقافة عندما يكون السلوك الموجه لا يعمل على تحقيق مصلحة عليا أو عامة، وكذلك عندما يكون من دون إذن أو طلب من المستهدف وفي حال عدم وجود العلم والخبرة الكافية والتكرار والنمطية، ناصحاً بتنظيم سلوك الفزعات الإيجابية والحد من السلبي منها من خلال زيادة الوعي الحقوقي وتقديم الاستشارات المتخصصة من خلال مراكز معتمدة، وكذلك تفعيل خدمات الإرشاد النفسي والاجتماعي في المجتمع، إضافة إلى محاربة التعصب وتشجيع الحوار والتعايش الايجابي وتنظيم الأعمال التطوعية والتدريب عليها من جهات الاختصاص. ثقافة المجتمع وتحدث د. إبراهيم العنزي - أستاذ علم الاجتماع بكلية الملك فهد الأمنية - قائلاً: إن من يحدد حدود اللقافة والفزعة والمفاهيم الخاصة بها هي ثقافة المجتمع والذي انتشرت فيه ثقافة الشباب من جانب الفزعة حتى لو أدت به الى التهلكة مثل مخالفة النظام أو ارتكاب سلوك منحرف أو جريمة من أجل المساعدة وتسمى بالفزعة، وأصبح لها دوافع ومبادئ ولا تختص بأن يكون طالب الفزعة قريبا أو أحد أفراد العائلة بل أحياناً تكون صلة المعرفة معدومة، مضيفاً أنها تحولت من مصطلح الفزعة إلى مصطلح اللقافة وصارت أحياناً اندفاعية مع العلم أن لها أصولا في المبدأ البشري أو الإنساني من منطلق أنفع الناس للناس، ولكنها تحولت إلى أشياء سلبية كالمضاربات والعنف في الشوارع مثل أن يحدث خلاف في الشارع كأن يختلقها شخص واحد ثم تتطور بدخول تكتلات بشرية وكرة الثلج تجتمع من خلال ما يسمى بالفزعة، التى تكون بدايتها اللقافة لتتدحدر وهي على حافة السقوط وتتحول الى مضاربة جماعية تتساقط فيها الجثث وأحياناً يصل الأمر الى موت أحدهم تحت اسم الفزعة. فزعة إيجابية وأشار د. العنزي إلى أننا إذا أردنا توحيد الفزعة بمعنى أن تقدم للشخص شيء أو تقف معه بنفس الموقف هذه تقريباً بمفهوم الفزعة، أمّا اللقافة هي تدخلات لا داعي لها أبداً، فبعض الآراء أو الأفعال التى في غير مكانها الصحيح أو وقتها أو ليس وقتها ونجد من هذه اللقافة التدخل في شؤون الآخرين وأسلوب حياتهم، أو الاقتراب من شيء ما يخصهم، أو حدوث اشتباكات أو مضاربات وإذا سألت أحد الشباب عن ذلك سيجيبك أنه صديقي أو أحد معارفي فكيف لا أفزع له؟، مبيناً أنه من منطلق ذلك نجد أن هناك تداخل بين الفزعة واللقافة ولكن إن أردنا أن نقف بين الحد الواضح بين الفزعة واللقافة هي الفزعة الإيجابية من خلال أفضل الناس أنفعهم للناس، وأحياناً تكون بمثابة الشفاعة للشخص كأن تزكي شخص ما لوظيفة، لكن اللقافة سلبية وتؤدي الى سلبيات وتأخر وأحيانا يتلقف الإنسان وهو ليس بحاجة لذلك، لافتاً إلى أن بعض الناس لديهم سلوك من التنشئة أو عامل نفسي، فليس الجميع يحمل مواصفات اللقافة ولكن بعضهم يحمله، فالملقوف يبدي تصرفات كسرعة الحركة والانفعال والتدخل والانتباه، مما يؤكد على وجود سلوك منحرف نتيجة عوامل تربوية واجتماعية.