د. عبد القادر ورسمه غالب * تهتم الدول، وفي مقدمتها دولة الإمارات، بتطوير وتقنين وتنظيم العمل وكافة النشاطات المرتبطة بأسواق المال وذلك لما لها من أهمية بالغة في دفع الاستثمارات والحركة التجارية في الدولة. وفي هذا الإطار، تقوم الدول برعاية تكوين أسواق المال وفق أفضل الممارسات وتأسيس هيئات أسواق المال الرقابية وتقديم الحوافز لمختلف الشركات وقطاعات المستثمرين للإدراج والولوج في هذا النشاط المطلوب لتحريك الأموال والتجارة والاستثمارات والحركة الاقتصادية في شتى مجالاتها. ووفق القوانين المنظمة لنشاطات أسواق المال (البورصات) فإنه يتوجب على أي مستثمر يرغب في إجراء أي تعامل في أسواق المال أن يقوم بذلك عبر وسطاء أو شركة وساطة. الوسيط أو شركة الوساطة، يجب أن تكون حاصلة على الترخيص اللازم من سوق المال وهيئة سوق المال لتتمكن من مباشرة كل عمليات الوساطة المختلفة نيابة عن المستثمرين وذلك وفقاً لشروط الترخيص التي تنظمها القوانين واللوائح ذات العلاقة. بصفة أساسية نقول إن من أهم أهداف قوانين أسواق المال، إن لم يكن هو الهدف الرئيسي الأول، هو حماية المستثمر الذي يأتي للسوق لاستثمار أمواله في هذا النشاط المحفوف بالمخاطر. ولهذا فإن حماية المستثمر تمثل المحور الرئيسي الذي تدور حوله صناعة ونشاطات أسواق المال، لأن انعدام هذه الحماية يجعل المستثمر يبتعد بعيداً وينأى بنفسه عن الدخول في متاهات الاستثمار في أسواق المال المعقدة والمتذبذبة ارتفاعاً وانخفاضاً مقارنة مع غيرها من الاستثمارات الأخرى مثل المتاجرة وشراء وبيع العملات، فتح حسابات الادخار والودائع، شراء العقارات والأراضي وما شابه. ولحماية المستثمر فإن القانون يشترط عدم تعامل المستثمر المباشر مع الأسواق وأن تتم كل التعاملات في الأسواق عبر الوسطاء وشركات الوساطة ذات التأهيل الكافي المناسب للتعامل السليم بأموال المستثمر في أسواق المال. وعلى الوسطاء بذل كل الجهد المطلوب لحماية أموال المستثمر والتعامل بها في أسواق المال وفق أفضل الطرق المهنية السليمة مع اتخاذ كل الضمانات المطلوبة لتكون العملية صحيحة وفق الممارسات المهنية وضوابط الأسواق المعروفة. وإذا خالف أو فشل الوسطاء، في تنفيذ هذه المهمة على الوجه الأكمل، تكون هناك مخالفة للقانون وللممارسة المهنية إضافة لخرق العلاقة التعاقدية مع المستثمر، ولكل هذا تبعات قانونية عديدة يجب أن يتحملها الوسطاء. من هذا يتضح مدى أهمية الدور المحوري الذي يقوم به الوسطاء في تكملة مسار العملية بين المستثمر وأسواق المال. والوسطاء هم حلقة الوصل والجسر الرابط كالحبل السري بين المستثمر والأسواق في كل مراحل العملية حتى اكتمالها تماماً. ومن هذا الوضع الخاص، يتضح لنا الدور الفاعل للوسطاء لأنهم عبارة عن الدينمو والمحرك الرئيسي لحركة أسواق المال، وإذا توقف هذا المحرك فإن كل الحركة ستتوقف تماماً بل ستصبح الأسواق جثة هامدة بلا حراك. وهذا الدور المحوري للوسطاء تشترطه القوانين المنظمة لأسواق المال كشرط أساسي ودائم ولا يمكن تجاوزه أو القفز من فوقه بأي حال من الأحوال لخطورة العواقب وتعدد المخاطر. وانطلاقاً من هذا يحرص الوسطاء على أن يكونوا على أهبة الاستعداد، من كل النواحي الفنية واللوجستية والمالية، للقيام بمهامهم. وفي حقيقة الأمر فإن الوسطاء يتكبدون الكثير من الوقت والأموال وإعداد الموارد البشرية المدربة... من أجل الالتزام والوفاء بالعقود والعهود مع المستثمر، وأيضاً من أجل تطبيق القوانين بكل حرفية وسلاسة مهنية لضمان استمرار الأعمال في أسواق المال ولتحقيق الطموحات التي يتطلع لها المستثمر. ولكن، وبالرغم مما يتكبده الوسطاء وبالرغم من تمام جاهزيتهم لأعلى درجة، فإن حركة أسواق المال خلال الأعوام الأخيرة تعرضت لهزات كثيرة وأزمات عالمية اقتصادية ومالية ما قاد إلى تدني الاستثمار وضعف الحركة كثيراً، وبالتالي تأثر الوسطاء بهذا التدني وتعرض نشاطهم للانحسار وهذا قاد إلى تعرض بعضهم لخسارات مالية كثيرة. ومن حقيقة الواقع المعيش، اتضح أن كبش الفداء عند اهتزاز أو ضعف حركة أسواق المال هم الوسطاء دون غيرهم، لأنه ومع حدوث التردي والضعف في الحركة تذهب كل استعدادات الوسطاء اللوجستية والفنية وما تكبدوه من المصاريف والتزامات مالية أدراج الرياح لأنها لا تعود بأي فائدة ويصبح المجهود هباءً منثوراً. إن وضع الوسطاء في أسواق المال ومنذ مدة من السنوات المتتابعة، وبسبب الانتكاس في حركة أسواق المال، حرج جداً. وهم كما قلنا، كبش الفداء، خاصة وأن تحريك أو تصحيح وضع أسواق المال في مجمله خارج عن يدهم ولا يقع ضمن اختصاصهم المباشر. ولهذا نقول وللأهمية، لا بد من تدارك الوضع وبذل بعض الجهود لإنقاذ وضع الوسطاء أو مساعدتهم في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، ومساعدة الوسطاء بالطبع سيعود بالفائدة وسيدور في مصلحة أسواق المال. ربما يكون مناسباً تقديم بعض الإجراءات المالية للوسطاء كالسماح أو التخفيف في سداد الضمانات والتأمينات، الإيفاء الفوري بحقوقهم المالية وفي جميع الحالات، مساعدتهم في الحصول على قروض بشروط ميسرة، النظر في إمكانية إقامة صندوق دعم خاص للطوارئ، مساعدتهم في الاندماج وتكوين شركات وساطة قوية والمساهمة بصورة قومية متكاملة في تدريب الوسطاء التدريب الكافي الوافي... وغيره. كل هذه المعينات من دون شك ستصب في مصلحة الوسطاء وتطوير مهنة الوساطة لتصبح صناعة مقتدرة. وهذه المعينات، من دون شك، ستثمل لهم عوناً مالياً ومهنياً ومعنوياً كبيراً، وذلك تقديراً لدورهم الهام والأساسي في تثبيت أركان ودعم صناعة ونشاط أسواق المال. والتحرك مطلوب لدعم الوسطاء ومهنة الوساطة. المستشار القانوني ورئيس دائرة الشؤون القانونية لمجموعة بنك البحرين والكويت وأستاذ قوانين الأعمال والتجارة بالجامعة الأمريكية بالبحرين