×
محافظة المنطقة الشرقية

البحرين: دلالات مهمة للمنتدى العربي - الهندي

صورة الخبر

تبدو الأزمة السورية اليوم تكرارًا مؤلمًا لفصول قضية فلسطين. ذلك أن معظم ثوابت القوى الكبرى إزاء منطقة الشرق الأدنى بعد الحرب العالمية الأولى ما زالت قائمة. فنحن ما زلنا نعيش الاعتبارات الدينية والثقافية والمصلحية ذاتها التي أسّست قبل نحو 100 سنة لصفقة اقتسام تركة الدولة العثمانية تحت اسم «سايكس - بيكو»، ومعها ارتباطات السير مارك سايكس الوثيقة برعاة قيام إسرائيل بموجب «إعلان بلفور». الثورة السورية، كالانتفاضات الفلسطينية في العقود الأولى من القرن العشرين، بدأت انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والكرامة وحق تقرير المصير، لكنها سرعان ما وجدت نفسها محاصرة بـ«لعبة الأمم» التي لا تقيم وزنًا لشعب ولا تعبأ بحق. وشيئًا فشيئًا أخذت الأمور تتكشّف بالتوازي مع تبدّل موازين القوى على الأرض. وما كان سرًا الدور الإقليمي لنظام آل الأسد، ذلك أنه اضطلع بتأديته حتى قبل أن يغدو حافظ الأسد الحاكم الرسمي لسوريا في أواخر 1970. كان في صميم مهام حافظ الأسد «رجل اليمين» في حزب البعث العربي الاشتراكي اعتماد سياسة إقليمية «واقعية» تتعايش مع «حقائق المنطقة»، على رأسها احترام وجود إسرائيل وضرب كل القوى الراديكالية من أقصى اليسار الثوري إلى أقصى اليمين الإسلامي، والعمل على اختراق كل التكتلات والمزايدة عليها في كل شعاراتها.. ثم عند الاضطرار اللجوء للقتل والقمع. طيلة 8 سنوات ناور حافظ الأسد ولعب بمهارة، مدعومًا برضا دولي مستتر، وظلت شعاراته «العروبية» و«الوحدوية» و«العلمانية» و«الاشتراكية الإصلاحية» سلعًا قابلة للتصدير والترويج. وخلال السنوات الثماني وثق به هنري كيسنجر ليكلفه بضرب المقاومة الفلسطينية، و«ضبط» انفلات لبنان خلال عقد السبعينات، على الرغم من خوضه «حرب تشرين» ضد إسرائيل - بل ربما بسبب مشاركته في تلك الحرب «التحريكية» - ولاحقًا في عام 1982 غض العالم طرفه عنه عندما ارتكب «مجزرة حماه» التي يقال إنه قتل فيها ما بين 20 ألفًا و40 ألف شخص خلال 27 يومًا. عام 1979 عندما انتصرت الثورة الخمينية في إيران، كان الحكم «العروبي العلماني» البعثي في دمشق الداعم الإقليمي الأول لإيران الخمينية، وهذا حتى بعدما أعلنت أن استراتيجيتها هي «تصدير الثورة». وبعدها عندما واجه العراق، مدعومًا بالكثير من الدول العربية المتوجّسة خيفة من أحلام الهيمنة الإيرانية - وقفت دمشق حافظ الأسد «البعثية» ضد بغداد صدام حسين «البعثية».. مؤيدة طهران «الخمينية»! ولكن حتى هذا المفصل، تجاوزه حافظ الأسد بفضل دهائه، وإتقانه تقديم الخدمات الاستراتيجية لـ«الكبار» حين وحيث تقضي الحاجة. خروج الأسد الأب من المسرح تدريجياً وتولّي جيل الوارثين عام 2000، لم يغير التوجهات العامة للنظام، إلا أنه غير أسلوب تعامله مع الأزمات. فلقد انتهت مرحلة الحكمة في التعاطي السياسي وفق مقولة «ضربة على الحافر وضربة على المسمار»، وبدأ نهج الإقصاء والإلغاء بالقتل.. الذي راكم الأخطاء وشجّع طهران على تولّي دور أكبر في تسيير الشأنين السياسي والأمني. أول الغيث بدأ بـ«الانتحارات» الداخلية بدءًا من رئيس الوزراء محمود الزعبي (قبل أقل من شهر من تسلم بشار الرئاسة)، ولاحقاً غازي كنعان، وغيره. ثم إلغاء المعارضين في لبنان، سياسيًا في البداية، فجسديًا عبر الاغتيالات، وكان أبرزها اغتيال رفيق الحريري. وتوسّع هذا النهج ليغدو استراتيجية التعامل في الداخل والخارج. ولعله عند هذه النقطة ما عاد ممكنًا الجزم تمامًا حيال أين تؤخذ القرارات الأساسية.. في دمشق أم طهران؟! «الحالة اللبنانية» كانت خير مؤشر لواقع الأمور في دمشق. فـ«الجهاز الأمني اللبناني - السوري» الذي كان يحكم لبنان فعليًا خلف واجهة رئيس لا يملك من أمره شيئًا، أشرف على عملية بناء «دولة» حزب الله التابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني. واليوم، «دولة» حزب الله أقوى من «دويلة»الجمهورية اللبنانية بدليل رفض لبنان في اجتماعي وزراء الخارجية العرب التصويت لإدانة الاعتداء على السفارة السعودية في طهران، وتكراره الموقف نفسه في اجتماع مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي. أضف إلى ذلك منع حزب الله انتخاب رئيس للجمهورية لمدة تزيد على سنة ونصف السنة، وفرضه إطلاق وزير سابق مقرب من الحزب ونظام دمشق رغم اعترافه بالصوت والصورة بنقل متفجرات لإحداث فتنة، وأخيرًا لا آخرًا عجز «الدويلة» الرسمية عن منع «الدولة» غير الرسمية عن خوض حروب خارج الحدود. ضغط واشنطن بالأمس على المعارضة السورية، المحاصرة بين الاحتلال الإيراني والقصف الجوي الروسي والإرهاب الداعشي أصلاً، يوحي بصحة تقرير الصحافي الأميركي سايمور هيرش عن ضلوع هيئة الأركان المشتركة الأميركية ومعها استخبارات وزارة الدفاع بالتنسيق مع الروس والإسرائيليين والألمان لإنقاذ نظام الأسد. فالموقف الأميركي اليوم يتبنى موقف موسكو تمامًا إزاء النظام والمعارضة في سوريا، وأصوات مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلي خلال السنة الماضية تصب في الاتجاه نفسه. أكثر من هذا، فإن التنسيق الأميركي النشط مع الجماعات الكردية الانفصالية في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا ينمّ عن أن واشنطن - بصرف النظر عن «رمادية» كلام نائب الرئيس جو بايدن - تؤيد قيام دولة كردية كبرى في المنطقة. وكان قد صدر كلام لعضو في الكنيست الإسرائيلي عن «استحقاق الأكراد دولة مستقلة لهم». أخيرًا، عودة إلى لبنان، لا بد من تذكر أن البطريرك الماروني بشارة الراعي كان أول من أعرب صراحة في بدايات الثورة السورية عن تحفّظاته عنها، وقوله غير مرة في لبنان وفي زياراته الخارجية، ابتداءً من فرنسا، ما معناه أن نظام الأسد «قد يكون سيئًا، لكن البديل الآتي من الثورة أسوأ». هذا، بالضبط، هو المناخ الذي يتغذّى على ذهنية «تحالف الأقليات» في الشرق، التي كانت في صميم الفكر السياسي للانتداب الأنغلو - فرنسي ونشوء الأوطان الدينية - الطائفية، وأولها إسرائيل. وللأسف الشديد ما كان ينقص «تحالف الأقليات» (غير السنّية) ليفرض خرائطه على المنطقة سوى استيلاد غول «داعش» والاتفاق الإيراني - الأميركي الذي يجعل من «الولي الفقيه» وحرسه الثوري طليعة مضرمي نار الحرب الأهلية الإسلامية - الإسلامية.