لا نختلف كثيراً حول أهمية المرور في حياتنا المعاصرة، ودوره القوي في حفظ نظام الأمن والسلامة للمجتمع، ولا يتأتى ذلك إلا بتكامل الجهود؛ للرفع من قدرات العاملين فيه، وتطوير أنظمة المرور من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه. إلا أن ما قد يلاحظ هو أن النظام المروري لدينا لم يواكب التطور بعد، ولم يحقق الأهداف المرجوة منه، بل أن الكثير من نتائج خططه تسجل تراجعاً واضحاً من حيث التطبيق؛ على مستوى تقديم الخدمات الأمنية في شقها المروري، حيث يعمد إلى مواجهة الوقائع والتعامل معها بآليات مكررة، في وقت يتطلب منه - بوصفه جهازا أمنياً حيوياً - أن ينطلق وفق منظورين مهمين؛ وقائي وآخر علاجي. فمن المهم والضروري أن يتم تفعيل الجانب الوقائي من خلال تطبيق الأنظمة والممارسات الميدانية الحديثة المتعلقة بالسلامة المرورية، والسعي إلى تطوير منظومات العمل، والبحث عن حلول جذرية جديدة، وليس مجرد ترقيع لبعض الضوابط والتعاميم القديمة، أما ما يتعلق بالشق العلاجي فإن الضرورة تحتم تطبيق النظام المروري على الجميع، ومنع أي ذريعة لأن يمارس العابثون لهوهم المؤذي بحجة أنهم يرون أن هناك من يتجاوز الأنظمة المرورية ويعبث بها. ولكي يتجاوز المرور مأزقه التنظيمي فإنه من المهم أن تكون اللوائح والأنظمة واقعية، وتعالج الحالات الملحة، وألا يكون طرح الخطط مثاليا وخياليا قد يصعب تطبيقه على الواقع، ومن أهمها تطوير بيئة المرور وأساسه وهياكله والبنية التحتية له، أي أنه لا يمكن تطبق النظام في بيئة غير مكتملة، وطرق ومسالك سيئة، ومعدومة الإرشادات؛ وغير صالحة للسير.. أي أنه من المهم أن تكون البيئة سليمة ومتكاملة، ومهيأة لتطبيق الأنظمة واللوائح بما فيها من الجزاءات والعقوبات والغرامات التي يجب تطبيقها بشكل متقن ومتوازن. فالمعروف أن أنظمة المرور ولوائحه وخططه لدينا لم تتغير منذ عقود، وأن الجانب الشرطي لا يزال يسيطر عليها، فيما توجد الآن في الكثير من البلاد حولنا نوعيات من الأنظمة الحديثة التي تجعل من المرور حياة اجتماعية ومدنية متكاملة، يبدع الناس فيها؛ من أجل أن تتكامل منظومات الوعي والأخلاق والذوق في بناء الحياة المرورية السليمة. فمن المهم أن يكون هناك جانب معنوي يتجسد ويقوي في بناء العلاقة بين المرور والمجتمع، لتكون هناك مشاركة وجدانية، وفعل اجتماعي، وحس إنساني يتجاوز مأزق أن يكون المرور حالة مخيفة؛ تنشط فيها متابعات الحوادث وإجراءات حالات الوفاة والإصابات البليغة، وتلف السيارات، وهدر المال، وحينما يعتقد أن المرور مقتصر دوره على توجيه «الونش» لرفع مخلفات كوارث الطرق فهذا هو الجانب السيئ في الأمر. كما أن الدعم المعنوي للمرور يعزز ثقافة التطوع والتعاون، وقيام المجتمع في دوره لبناء علاقة قوية مع أنظمة المرور من خلال العمل في الميدان، وتفعيل ما يمكن تفعيله من مشاهدات وممارسات تفيد اتخاذ القرارات، وتساهم في الحد من السرعة الجنونية؛ وهي المثال والشاهد الأليم، وما يليها من مشتركات واعية تسهم في فك الاختناقات المرورية، والمساعدة مع الفرق الميدانية للتخفيف من تكدس السيارات، فالتطوع من أجل خدمة المرور ولو لساعتين فقط هو خطوة حضارية مهمة في بناء المجتمع، لندرك أهمية الحياة العامة، ونساهم في صياغة مفهوم النظام والانضباط المروري الذي نحن في أمس الحاجة إليه. مقالات أخرى للكاتب تركي الماضي في قصصه «الشبُّوط».. قصص مقتضبة وقصيرة بدلالات إِنسانية طويلة الشباب.. كيف نخدمك ؟ شيء عن التكامل الصحي تكاليف الشتاء نودع عامين في أشهر