توقع مختصون نفطيون استمرار تحسن أسعار النفط خلال الأسبوع الجاري، بعد أن كسبت الأسعار نحو 8 في المائة في ختام تعاملات الأسبوع المنصرم إثر اشتداد موجة البرد القارس في أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما رفع معدلات الطلب على الطاقة لأغراض التدفئة. وسادت أجواء إيجابية في السوق بشأن تحسن مستويات الطلب على الرغم من ارتفاع الدولار والمخزونات، إلا أن موسم الشتاء عزز الآمال في ارتفاع مستويات الاستهلاك وإمكانية تعافي الأسعار وتوازن السوق على المدى القريب. وتجدد الحديث في السوق عن إمكانية عقد طارئ لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، في ضوء أنباء عن تقارب في المواقف بين روسيا وفنزويلا، حيث تتمسك الأخيرة بضرورة خفض الإنتاج دعما للأسعار، ويأتي هذا التوجه بين أعضاء المنظمة بمساندة نيجيريا التي تتولى الرئاسة الدورية إضافة إلى الجزائر. وتلقى السوق النفطية دعما من إعلان السعودية استعدادها للتباحث مع بقية المنتجين حول تقييم الظروف الراهنة في السوق والآليات المقبولة من كل الأطراف لدعم استقرار السوق واستعادة توازنها، إلا أن استمرار حالة وفرة المعروض دفع عددا من المؤسسات المالية الدولية إلى تخفيض توقعاتها لأسعار الخام خاصة عقب تقرير الوكالة الدولية للطاقة، الذي ركز على استمرار تخمة المعروض في 2016. ويقول لـ "الاقتصادية"، دايسوك تاكوشى مدير عام "أوساكا" للغاز في بريطانيا، "إن الطلب على النفط والغاز لن ينهار كما يتوقع البعض حتى إن انخفضت الأسعار"، مشيرا إلى أن السوق ستتعافى قريبا، وهناك عديد من آفاق النمو الإيجابية في الصناعات البترولية ومشاريع الغاز الطبيعي المسال التي ستلعب دورا رئيسيا في إمدادات الطاقة ومزيج الطاقة العالمي خلال السنوات المقبلة خاصة في قطاع النقل. وأضاف تاكوشى أن "عودة صادرات النفط والغاز في كل من الولايات المتحدة وإيران سيكون لها تأثير في زيادة المعروض، لكن هذا التأثير لن يكون كبيرا"، لافتاً إلى أن صادرات الولايات المتحدة ستركز على الغاز المسال إلى الأسواق الأوروبية وسيمثل منافسة شديدة مع الغاز الروسي المهيمن على تلك الأسواق عبر سنوات طويلة من خلال خطوط الأنابيب الأرضية التي تأثرت بشكل كبير بعد اندلاع أزمة الصراع السياسي في أوكرانيا. وأشار تاكوشى إلى أن النفط الإيراني يسعى من جانبه إلى استعادة حصته السوقية في أوروبا وقد بدأت حاليا بالتصدير إلى اليونان، لكنه لن يحقق الكثير، بسبب الحاجة إلى إعادة هيكلة القطاع وضخ استثمارات جديدة بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية. وأوضح تاكوشى أن الاستثمارات النفطية أصبحت مهيأة الآن أكثر من أي وقت مضى للتعامل مع موجة انخفاضات ستستمر على أقل تقدير خلال النصف الأول من العام الجاري نتيجة ضخ الصادرات النفطية الإيرانية والأمريكية، إلا أنه مع الوقت ستنكمش الاستثمارات ويتراجع المعروض وهو الأمر الكفيل بعودة ارتفاع الأسعار إلى المستويات المتوسطة بحلول الربع الثالث من العام الجاري. من جهته، أشار لـ "الاقتصادية"، لويس ديل باريو المحلل الاقتصادي في مجموعة "بوسطن" للاستشارات الاقتصادية في إسبانيا، إلى أن التعجل في اتخاذ قرار غير مدروس بعقد اجتماع طارئ لمنظمة "أوبك" قد تكون له انعكاسات سلبية على السوق خاصة إذا لم ينجح في اتخاذ القرارات التي تتطلع إليها طموحات العاملين في السوق. وأضاف باريو أن "الاجتماع الطارئ يجب أن يسبقه تحضير جيد ويتم خلال التوافق على قرارات جريئة تدعم الأسعار وتعيد الاستقرار إلى السوق، ويأتي على رأسها خفض الإنتاج، لكن من الصعب تحقيق ذلك في ضوء اتساع هوة الخلافات بين المنتجين وتعارض المصالح والمنافسة الشديدة على أسواق الاستهلاك". ويعتقد باريو أن التطورات الأخيرة الخاصة بعمليات تخريب "تنظيم داعش" للقطاع النفطي في ليبيا تمثل كارثة اقتصادية وبيئية وتضعف سوق النفط خاصة أن ليبيا منتج مهم وتتعرض حاليا لتدمير البنية الأساسية للقطاع النفطي ولأعمال ذات تأثير سلبى واسع في السوق. مشيرا إلى أهمية تركيز الجهود على استعادة الاستقرار في هذا البلد المهم. وذكر لـ "الاقتصادية"، فرانسيس بروني مدير شركة "بلاتس" الدولية المتخصصة في دراسات ومعلومات الطاقة، أنه لا توجد أي مؤشرات على إمكانية تغيير منظمة "أوبك" استراتيجيتها القائمة على عدم التدخل في تحديد مستوى الأسعار وتركها بالكامل لآليات العرض والطلب مع التركيز على تأكيد وجودها في الأسواق المختلفة وتنمية صادراتها ومواجهة تحديات المنافسة مع المنتجين المستقلين الذين تصل مساهماتهم إلى قرب ثلثي المعروض النفطي في العالم. وأشار بروني إلى أن السعودية والعراق ونيجيريا انخفض إنتاجهم على نحو طفيف خلال الشهر الماضي وقاد هذا إلى تراجع إنتاج "أوبك" بنحو 130 ألف برميل يوميا لكن ذلك لا يعني توجها إلى خفض الإنتاج، إنما يعكس وجود مرونة في السياسات الإنتاجية مع التمسك بالحصص السوقية والعمل على دعمها على المدى الطويل. وأضاف بروني أن "ما تردد عن توافق روسي فنزويلي من أجل وقف تدهور أسعار النفط ربما يسهم في إعطاء بعض الأجواء الإيجابية في السوق رغم عدم الإعلان عن التوافق حول فكرة خفض الإنتاج، إنما تم التحدث فقط عن خطط مشتركة بين البلدين لم يتم تناول مضمونها، خاصة أن الأعباء زادت بشدة على اقتصاد البلدين خاصة مع هبوط الأسعار إلى ما دون الـ 30 دولارا للبرميل". وأوضح بروني أن أسعار النفط مالت إلى الارتفاع بعد اشتداد وطأة موسم الشتاء في أوروبا وأمريكا، لكن السوق تحتاج إلى مواصلة الارتفاعات إلى منتصف الثلاثينيات حتى يتعافى وحتى يتأكد المتعاملون في السوق أنها ليست ارتدادا وتصحيحا للأسعار بعد انخفاضات حادة سابقة، إنما تعكس مؤشرا لتحسن الطلب وقرب التوازن السوقي. من ناحية أخرى، وعلى صعيد الأسعار، فقد قفزت أسعار النفط الخام في ختام تعاملات الأسبوع المنصرم بنحو 10 في المائة، مسجلة أحد أكبر مكاسبها اليومية على الإطلاق في ظل موجة برد عززت الطلب على زيت التدفئة، في حين انتهز المستثمرون فرصة وصول الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ 2003 لتغطية مراكز بيع. وبحسب "رويترز"، فقد قفزت أسعار زيت التدفئة أكثر من 10 في المائة مع بدء عاصفة ضخمة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وقد ساعدت عمليات تغطية مراكز البيع- التي يقوم فيها المستثمر بشراء أصول كان قد باعها من قبل بسعر أعلى- على ارتفاع أسعار الخام بنحو 15 في المائة على مدى يومين. وارتفع سعر خام القياسي العالمي مزيج برنت 2.93 دولار، أو ما يعادل 10 في المائة إلى 32.18 دولار للبرميل عند التسوية محققاً أكبر مكسب يومي له منذ أواخر آب (أغسطس)، بينما زاد سعر الخام الأمريكي 2.66 دولار أو 9 في المائة إلى 32.19 دولار للبرميل عند التسوية. ورغم المكاسب لا يزال الخام الأمريكي منخفضا بنحو 15 في المائة منذ بداية العام بسبب تخمة المعروض وضعف الطلب، وخفضت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات النفط العاملة للأسبوع التاسع في الأسابيع العشرة الماضية، ومن المتوقع أن توقف مزيدا عن العمل في الأسابيع المقبلة بسبب هبوط أسعار الخام لأدنى مستوياتها منذ 2003. وقالت شركة بيكر هيوز للخدمات النفطية في تقريرها الذي يحظى بمتابعة واسعة "إن شركات الحفر أوقفت خمس منصات عن العمل في الأسبوع المنتهي في 22 كانون الثاني (يناير) لينخفض العدد الإجمالي للمنصات إلى 510 وهو الأقل منذ نيسان (أبريل) 2010". وبلغ عدد المنصات في الأسبوع المقابل من العام الماضي 1317 منصة عاملة، وأشارت "بيكر هيوز" إلى أن الشركات أوقفت 963 منصة إجمالا عن العمل في 2015 وهو أكبر خفض سنوي في العدد منذ 1988 على الأقل.