< من الآن وصاعداً، من المهم أن تتغير طريقة اللعب والخطط في التعاطي مع الشأن الاقتصادي السعودي، وهذا يحتاج إلى إصدار أنظمة وتشريعات وقوانين، وأيضاً إلى الأشخاص الذين يتفاعلون مع المرحلة المقبلة، ويهتمون بتطوير المنتجات الاقتصادية. من هم اللاعبون الجدد الذين سيسهمون في تحسين أداء الاقتصادي السعودي في المرحلة المقبلة؟ هناك مجالات عدة لا تحتاج إلى إرهاق الموازنة أو نفقات إضافية، بل إلى تحسين الخدمات وتطويرها وتسهيلها، ولعل بعض اللاعبين الجدد كانوا في السابق على دكة الاحتياط، وهو ما يتطلب الاهتمام بهم وأخذهم مراكز مهمة في خطوط الاقتصاد، من أبرز اللاعبين الجدد المتوقع أن يسهموا بشكل فعال خلال المرحلة المقبلة: قطاعات السياحة والسفر، والحج والعمرة، والنقل والطيران، والمؤتمرات والمعارض، قطاع ريادة الأعمال، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج الأسر المنتجة، جذب الاستثمارات المحلية الموجودة في الخارج، جذب الاستثمارات الأجنبية في مشاريع كبرى، خلق منافسة داخلية بين المناطق في جذب الاستثمارات والمشاريع، والمصارف والمؤسسات التمويلية، ربما تكون هذه أهم القطاعات التي ستقع عليها المسؤولية في المرحلة المقبلة لتحسين دخل السعودية، ورفع حصة القطاعات غير النفطية. في قطاع السياحة والآثار لا تزال المعلومات التي تقدمها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وليست دقيقة عن المتاحف وحمايتها ورعايتها لها، إضافة إلى تردي جودة الخدمات المقدمة في المرافق السياحية والفعاليات المصاحبة، فضلاً عن شكاوى السياح من ضعف البرامج وارتفاع الأسعار، ويحتاج الأمر إلى تطوير الفعاليات المرتبطة بالزوار والسياح، مثل: المعارض والمؤتمرات، واستضافة فعاليات عالمية، وحتى يكون دور الهيئة فاعلاً يجب أن تتوقف عن تنفيذ المشاريع وتتحول إلى جهة إشرافية ورقابية لتنظيم أي مناسبة، ويكون لها خطة واضحة، فصناعة المهرجانات والفعاليات مرتبطة بشراكة مع جهات حكومية وأهلية عدة، لجعل السياحة الداخلية سهلة ومرنة، وفي تقارير نشرت سابقاً منسوبة إلى منتدى دافوس الاقتصادي أن عائدات السياحة الداخلية بلغت 28 بليون ريال، فيما بلغ إنفاق السياح الأجانب 46 بليون ريال، ولا أستبعد أن هذه الأرقام غير صحيحة، فلا يوجد نظام للسياح الأجانب فضلاً عن المعوقات التي تواجه من يرغب في زيارة المناطق السياحية، أعتقد بأنه من الضروري أن ترتفع عائدات قطاع السياحة والآثار إلى 300 بليون ريال سنوياً، مع تحسين بيئة السياحة وتنظيمها. يأتي قطاع الحج والعمرة في مرتبة مهمة، منعشاً معه الفنادق والخدمات والنقل، لكنه يحتاج إلى تأهيل شركات العمرة، وفتح الأبواب أمام شركات جديدة، حتى تستوعب وفود الأعداد الكبيرة، فتوسعة الحرمين الشريفين يجب استغلالها في لزيادة عدد المعتمرين والحجاج، كما يحتاج أيضاً إلى تعديل الأنظمة، وتقديم مرونة وتسهيلات لدخول شركات أجنبية مختصة في مجال الخدمات، وهو ما يتطلب قيام فنادق جديدة. تتوقف الجهات المختصة عن تقديم تأشيرات العمرة بعد رمضان، وهذا النظام يجب أن يتم تعديله، إذ يجب أن يسمح بأداء العمرة لمن يرغب في ذلك، وإذا ما رغب بأداء فريضة الحج فما عليه إلا أن يسدد الرسوم التي يدفعها أي حاج. قطاع الحج والعمرة إذا ما تم التعامل معه باحترافية، فإنه مورد اقتصادي مهم، مع الاهتمام بتحسين الخدمة، وعدم المبالغة في الأسعار من الشركات، هذا القطاع بإمكانه أن يستقبل شهرياً مليون معتمر وزائر، مع رفع نسبة عدد الحجاج القادمين. الرقم الحالي للمعتمرين والحجاج ضعيف وهزيل، فعدد حجاج الخارج لا يتجاوز مليوناً، أما المعتمرين فلا يزيدون على خمسة ملايين، بينما تشير الإحصاءات إلى أن الفنادق والشقق السكنية في المدينتين المقدستين قادرة على استيعاب 12 مليون معتمر سنوياً، ومليوني حاج من الخارج. قطاع العمرة والحج يحقق عائدات تقدر بنحو 85 بليون ريال وهذا الرقم ضعيف، مقارنة بحجم المشاريع القائمة حول المسجد الحرام والمسجد النبوي، إذ من المتوقع أن يحقق عائدات تتجاوز 130 بليون سنوياً، ويخلق فرص عمل جديدة. ويتطلب من وزارة الحج أن ترفع من مستوى جاهزيتها وتأهيل الشركات المقدمة للخدمة وتحسين وتجويد الخدمات، ومراجعة أنظمة العمرة والحج وقوانينهما. المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي لاعب مهم في المرحلة المقبلة، ولولا أهميتها لما صدر توجيه ملكي بإنشاء هيئة عامة للمؤسسات الصغيرة، وهذا يعني أن الدولة أولت اهتماماً كبيراً بها، وتتطلع لأن تقدم الشيء الكثير في دعم المشاريع الصغيرة، ورواد الأعمال، والأسر المنتجة، بوضعها الحالي تعيش حالة توهان واضحة في كل قطاع منها. المؤسسات الصغيرة في جهة وقف لها بالمرصاد المؤسسات الحكومية في طلب شروط تعجيزية، وأي ترخيص لمشروع جديد قد يستغرق من 60 إلى 120 يوماً، وربما 180 يوماً، والحال نفسها لرواد الأعمال، إذ يواجهون التحديات وأسلوب التطفيش، أما الأسر المنتجة، فهذه قصة أخرى، تعمل تحت مظلة الجمعيات الخيرية، فتعيش على المساعدات والصدقات، ولا ينظر إليه على أنه مشروع استثماري، يجب تقديم الدعم أو القروض لها، لهذا حتى الآن لم تخرج لنا الأسر المنتجة بالشكل الاقتصادي الصحيح، فهي حتى الآن تعمل بشكل فردي، وبتشجيع خجول من الغرف التجارية لعروض هذه الأسر من خلال المعارض، لم يتطور هذا العمل ويقدم لنا أنموذجاً اقتصادياً يشجع دخول أسر جديدة، كما أنها تسير من دون خريطة طريق، فمعظم هذه الأسر تنتج أعمالاً يدوية، أو تصنع حلويات وملابس تراثية. وصور لنا أن الأسر المنتجة تعني النساء، وهذا غير صحيح، ففي معظم الدول مثل الصين وإندونيسيا والهند الأسر المنتجة تشمل الرجال والشباب والأطفال، وحتى طالبات الجامعة، ويتنوع عمل الأسر المنتجة بتوجيه المؤسسات والشركات والمصانع إلى تأهيل هؤلاء للعمل في منتجات تكميلية أو إضافية، وأحياناً عمل منتجات تقترحها هذه المؤسسات، هكذا تفعل معظم الشركات في الهند والصين، باستغلال هذه الأسر التي تعمل من المنزل، أما بوضعها الحالي، فلن نجني سوى حلويات أو ملابس صوف أو هدايا، وحتى تنجح يجب أن تخرج من عباءة الجمعيات الخيرية وتتحول إلى مظلة وزارة التجارة، وتحديداً ضمن المؤسسات الصغيرة، حتى تحصل على قروض وتسجل رسمياً مؤسسة تعمل من المنزل. رفع كفاءة الأسر المنتجة وفعاليتها يخلقان ثقافة الإنتاج والحرف اليدوية، إلا أنهما يحتاجان إلى مزيد من الاهتمام والتفاعل بعقلية اقتصادية، إذ إن من شأنهما أن يقللا من مستوى الفقر والبطالة. * كاتب وصحافي اقتصادي jbanoon@