عندما احتاجت المجتمعات لأنظمة وتنظيم في إدارة شؤونها، لم يكن ذلك لمجرد تطوير الحياة ومواكبة متغيرات المراحل الزمنية وحسب، وإنما سلوك فطري يتناغم مع النزعة الحضارية والإنسانية، وذلك يفترض استيعاب كثير من المتغيرات التي ينتجها العقل الاجتماعي من خلال أفكار الأفراد حين يلتقون في قواسمهم المشتركة ويختلفون في آرائهم حول جزئيات هي عين الثراء والتنوع الفكري والثقافي، فالعملية الحضارية إنما هي توازن بين التنوعات الاجتماعية وضبطها في مسار متوافق عليه، وذلك لا يمكن أن يأتي دون تنظيمات وأنظمة يعلقها الجميع في أذهانهم ويسيطرون عبرها على تفلتات تضر المسيرة الاجتماعية، وما يقوم به شخص واحد بصورة سلبية يضر بالجميع، وإن لم يكن بالضرورة أن يتحملوا عواقبه مع ذلك الشخص. الأوطان في كل مجتمعات الدنيا متنوعة في أعراقها وفكرها واتجاهاتها الثقافية والدينية والمذهبية، وفي المجتمعات العربية يبرز تنوع مذهبي يتم التعاطي معه بصورة مؤسفة تكرّس فكرة الطائفية السلبية، وذلك أمر لا يجد صدّا مناسبا رغم خطره الاجتماعي المؤكد، فالشخص السلبي في فكره الطائفي، كما سبق وأشرت يضر بالجميع، من واقع نثر أفكار مشوشة وذاتية في الوسط الاجتماعي، تؤثر مباشرة في تفكيك النزعة الوطنية، لأن الرؤية تستند الى مرجعية ذاتية انطباعية، تمايز دون جهد عقلي حقيقي في بلورة صورة كلية لضرورات التعايش دون منغّصات أو انتاج مرارات أو الحديث بما يسيء ويسوء. ومن خلال تلك الرؤى الطائفية الكامنة أحيانا، والمتجرئة أحيانا أخرى، لا بد من النظام والتشريع المانع لإثارة الكراهية والاستفزاز والتجريح، أولئك الطائفيون قنابل موقوتة يخوضون صراعا مفتوحا تلتبس فيه كثير من الأشياء والأفكار، ما يتطلب ويستدعي النظر في قوانين لتجريمها بحسب ما ظللنا نطالب به مرارا وتكرارا، فالدول التي أقرت القوانين المناهضة للعنصرية بكل أشكالها، وقامت بتجريم المعاداة لأفكار مثل السامية نجحت بصورة مثالية في حفظ استقرار نسيجها الاجتماعي ومنع أفراد المجتمع من الانزلاق في الفعل ورد الفعل الجدلي والانصرافي الذي لا طائل منه، ولا يتفق مع مقتضيات الأمن الاجتماعي، وذلك النجاح قياس نموذجي لفكرة الضبط الحضاري لسلوك العقل الاجتماعي واستئصال الأفكار السلبية من ذلك العقل حتى تمضي الدولة والمجتمع في خدمة القضايا الكبيرة دون تركيز الجهد والفكر في صراعات انصرافية ليست ذات جدوى في السياق الحضاري والإنساني، لقد تحقق سلام داخلي مثير للاهتمام أصبحت فيه كل المكونات الاجتماعية آمنة الى حد كبير من القفز عليها بتشويهات سلوكية وإنسانية بسبب التنظيم والنظام، فلنأخذ من تلك لهذه وسنأمن أكثر.