عندما التحقت بالجامعة بالولايات المتحدة وجدتها من نوع الجامعات التي تدرس طلابها مواد تستهدف تنويع مصادر معرفة الدارس، وكانت هناك مادة إجبارية تسمى (الثقافة الغربية) وتتكون من جزءين، وبعد التسجيل والتعارف أشار المحاضر عليَّ باعتباري (كنزاً) ثقافياً قادماً من منطقة غنية وعريقة بتاريخها وثراء ثقافتها أي المملكة وأحسست بعظم المسئولية حين قال المحاضر لزملائي الطلاب أن راهنوا على ثقافة «كاتب السطور» لتنويع ثقافاتهم، ثم طلب مني أن أشارك زملائي ما أعرف عن تاريخ المملكة العريق فقلت ما أعرف باختصار من دراستي الثانوية عن الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية والفاطمية والدولة السعودية في مرحلتيها، ففاجأني بأنه يعرف عن تاريخ المملكة القديم أكثر مني مثلما يعرف تاريخ الحضارات وهو ما حفزني لكي أستزيد وأتعود على مداومة القراءة المركزة والاطلاع المستمر لأعرف ثقافتي العربية والسعودية قبل أن أنهل من ثقافات غربية ولأن القراءة تحدث التحول الثقافي المعرفي. وللتحول الثقافي صلة قوية بالاقتصاد والاستهلاك والادخار فضلا عن الاستثمار ونجاح الأعمال لأن الحديث عن تحول اقتصادنا الوطني من»استهلاكي» إلى اقتصاد التنويع يحتاجه كعامل نجاح مهم إذ الأمر لتعميم ثقافة الاطلاع والقراءة حتى يتم تشكيل ثقافة الفرد وتصويب وعيه بما يفيده ويعود بالنفع على الاقتصاد ونجاح خططه، وسؤال التحول واجه اقتصاد الصين التي تحاول اليوم الانتقال من ثقافة الانتاج العالي للتصدير لثقافة تجمع بين الاستهلاك والتصدير، أو توازن بينهما، وبأساليب مختلفه إذ وجدت أن تحقيق التوازن يحتاج لوعي جديد للمستهلك الصيني وهو في أهمية رفع إنتاجيته وبالمثل عند التفكير في التحول لتنويع الاقتصاد السعودي من اقتصاد ريعي فإن السؤال سيطرح نفسه وهو كيف ننتقل من مربع لمربع اقتصادي آخر وأجد كلمة السر في (اقرأ) لأن القراءة ستُصوِّب ثقافة المستهلك المحلي ونظرته للمنتجات ولأن نجاح قطاع الصناعة يحتاج لبنية من الوعي المعرفي بأهمية الجودة وضروراتها ولأن ثقافة المستهلك تتأثر بصورة نمطية بتقديراته وهي ستدفع الصناع السعوديين على عدم إنتاج سلعه مرتفعة السعر لأن ثقافة المستهلك المحلي الحالية تهتم بالسعر بأكثر مما يهتم بالجودة ولهذا نجد صناعة العصائر على سبيل المثال تحاول منذ عشرات السنوات أن تحافظ على سعر ثابت للمنتج مع الالتزام بالجودة، ولهذا حين تقارن ذلك بأسعار منتجات شوكولاتة التي تنتجها مصانع في سويسرا أو أي اقتصاد غربي آخر تجد أن السعر تحول ارتفاعاً مع الجودة وأن استهلاك الفرد للمنتجات لا يتأثر ولكن إن تم قياس استهلاك الفرد بالمملكة فإنه يتأثر سلباً بأسعار المنتج ولهذا استهلاكه من مواد العناية الشخصية والمنزلية أقل من المعايير الصحية الأساسية رغم ضروراتها فعلى سبيل المثال منتج معجون الاسنان والشامبو ومواد العناية الشخصية والمنزلية الاستهلاكية يشير لخلل ثقافي استهلاكي رغم أن ردود فعل المستهلك قد تضر بصحة الفرد سواء في عدد مرات نظافة الفم والأسنان أو الاهتمام ببيئة المنزل ونظافتها ولهذا لابد من مواكبة لأحداث تحول في ثقافة المستهلك لصلتها الوثيقة بعوامل النجاح الاقتصادي. إن غرس الثقافات في بعض المجتمعات يبدأ في «الحضانة» ففي أمريكا وأوربا واليابان يتلقى التلاميذ جرعات ثقافية لا تستثني سلامة الطفل وكيفية عبور الشارع إلى ثقافة الطعام والسعرات الحرارية وأهمية الجودة والمحافظة على الكتاب المدرسي إلى الاهتمام بالبيئة والعناية الشخصية وهو ما نحتاجه للفرد لكي نحدث تحولاً ثقافياً معرفياً يصب في نجاح رؤية التحول الاقتصادي.