أذكر أني كتبت في إحدى رواياتي بأن «الحرية قيد» بمعنى أنها تقيدك حينما تستشعر المسؤولية الكاملة عن تلك الحرية.. إذ ليس صحيحا أنها تفلت من كل قيد، بل هي القيد ذاته متى ما تم استشعار المسؤولية في القول أو الفعل، فالآثار المترتبة على أي منهما تحمل الفرد عواقبها وتلزمه بما أحدث من أثر. ولم تسن القوانين إلا حماية للآخر من حريتك، فإن أسقطت عن نفسك المسؤولية المباشرة عما تفعل أو تقول تكون القوانين هي الرادعة لعدم صيانتك لحريتك. هذه المقدمة النظرية مهمة لما يعج من بث في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ غدا كل فرد متحررا من أي رقابة سوى رقابته الذاتية، وهو بذاك امتلك الحرية المطلقة (المقيدة بمسؤوليته) ومتى افتقد الفرد تلك المسؤولية تصبح القوانين هي الحماية لحريات الآخرين من انتهاكاته. وبين الحين والآخر تخرج علينا مقاطع فديو (غير مسؤولة) تضر بالآخرين سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات أو دولة أو معتقدا، والباث لذلك المقطع لا يقدر حجم الضرر الذي يحدثه.. وكثيرة هي المقاطع التي تدلل أننا لانزال نتهجى مفهوم الحرية، إذ كل منا يلتقط ما يشاء ويتحول إلى وزارة إعلام في تعميم المشهد الذي التقطه غير مقدر لحجم الضرر الذي قد يحدثه. وكثيرة هي المشاهد المضرة بسمعة الأفراد والجماعات والدولة أيضا، ففي ظل عدم الوعي بما يبث تكون الصورة أو المشهد المرئي أكثر وقعا وأشد كارثية ولم يتورع الباث عن بث أي شيء من غير احترام لأي شيء، ونتذكر المقاطع التي بثت والتي يمكن لها أن تحرج دولة وتشوه معتقدا لدى الآخرين، فهل تتذكرون مشهد تنفيذ حكم القتل تعزيرا بحق المرأة القاتلة؟ إن من يتلقى هذا المشهد من غير خلفية لما أحدثته تلك المرأة من جريمة بشعة استوجبت إدانتها، والحكم عليها بالقتل تعزيرا فلن يرحم الدين أو الدولة بما نفذته بتلك المرأة، وغالبا يتلقى الناس المشاهد من غير وجود خلفيات لتلك المشاهد، وبالتالي تكون أحكامهم على ما رأوه.. وأثبتت وقائع كثيرة مقدرة الجهات المعنية على الوصول إلى العابثين بحياة الناس أو الحيوانات، فلتكن هذه الوقائع دروسا لمن ظن أنه حر في تصوير كل ما يشاهد ويبثه على الملأ.