تُعتبر الخرافة معتقداً وممارسة لا عقلانية، لأنها عبارة عن أوهام قائمة على مجرد تخيلات دون سبب علمي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة والواقع، لذا فهي أشبه بفلكلور تتوارثه الشعوب والمجتمعات والأمم، فيصبح إرثاً بل عبئاً تاريخياً تتناقله الأجيال. وتوجد الخرافة في كل المجتمعات البشرية بلا استثناء، ولكن مع تفاوت في حجم الاستلاب ونسبة التأثير. نعم، قد تنتشر وتتمدد الخرافة بغزارة في البيئات المنغلقة والمناخات المضطربة والتي لا تؤمن بالحقائق والخبرات والتجارب، لكنها أيضاً أي الخرافة قد تجذب لها الكثير من المريدين والمتنفعين من رموز العلم والثقافة والفكر. في المقال السابق "من المسؤول عن كل هذه الخرافات؟"، رصدتُ سبع خرافات طبية تلقى قناعة ورواجاً بين مختلف الأوساط والطبقات المجتمعية والعلمية، وقد أثار المقال حفيظة الكثير من القراء والمتابعين، فضلاً عن المتخصصين والمعنيين الذين كانت لهم بعض الآراء المختلفة والانتقادات البناءة، وهذا أمر رائع للغاية لأنه يُشجع على ثقافة النقاش الهادف والجدل الإيجابي ويغرس بذور التحرر من الفكر الواحد واللون السائد. وقد اعترفت في نهاية المقال بأن تلك الخرافات الطبية السبع ليست سوى مقدمة ذكية أو مدخل جيد وهكذا أظن طبعاً لعالم أوسع وأهم وأخطر من الخرافات والأساطير والأكاذيب الكبرى التي تُشكّل وتُسيطر وتُوجّه أفكارنا وقناعاتنا وقراراتنا وأحكامنا في الكثير من تفاصيل حياتنا. والخرافة مهما كان نوعها أو حجمها أو تأثيرها، تُمثل خطراً حقيقياً على وعي وإدراك وحركة الشعوب والمجتمعات والأمم، ولكنها أي الخرافة تكون أكثر خطورة حينما تتحول إلى سرطان يفتك وينخر في جسد تلك المجتمعات والأمم، وذلك حينما تُعيق تنميتها وتقدمها وتُعمّق خلافاتها وانقساماتها وتتحكم في مستقبلها ومصيرها. والآن، إلى أهم سبع خرافات في حياتنا: الخرافة الأولى، أننا نحن على صواب دائماً، بل نحن الصواب بعينه، لأننا نملك كل الحقيقة والمعرفة الكاملة والفهم الوحيد، وكل من يوجد خارج هذه الدائرة الضيقة جداً فهو بلا شك على خطأ. ونحن هنا، قد تكون فرداً أو جماعة أو طائفة أو طبقة أو فئة! الخرافة الثانية، أن الآخر يجب أن ينضوي تحت عباءتنا وفكرنا وقناعتنا، ولا يوجد أي مبرر أو سبب لأن يختلف عنا في فكره أو سلوكه أو معتقده! الخرافة الثالثة، أننا نملك "الوصاية الكاملة" على الآخر الذي يوشك أن ينحرف عن "جادة الحق"، لذا لا يُفترض أن نتركه وشأنه يُقرر حياته ومصيره! الخرافة الرابعة، أننا الأقرب إلى الله من كل البشر، فقط لأننا ننتمي لفكر أو مذهب أو ثقافة ما، في حين أن الآخرين المختلفين معنا بعيدون كل البعد عن أوامر وتعاليم الله عز وجل! الخرافة الخامسة، أننا بما "نملك" من تاريخ وحضارة وثروات وقدرات، نتعرض لمؤامرة كونية كثيفة ومستمرة من الآخر الذي لا همّ له إلا سلبنا هويتنا وشخصيتنا والنيل من قيمنا ومعتقداتنا! الخرافة السادسة، أن المرأة يجب أن تكون ملحقة وتابعة وظلاً للرجل، لأن هذا هو مكانها الطبيعي الذي يحفظ لها عفتها وكرامتها وقيمتها! الخرافة السابعة، أن "الحق" له علاقة متلازمة مع "الزمن"، لذا كان الماضي بكل ما يحمله من أفكار ورؤى وتجارب ومعتقدات هو الأفضل! الخرافات التي تُسيطر على حياتنا كثيرة وكبيرة جداً، وهي بكل أسف تتمدد وتتفرع وتتمظهر في كل تفاصيل حياتنا. السؤال الذي يبحث عن إجابة واقعية بعيدة عن الخرافة: هل نُدرك حقاً بأننا نعيش في خرافات كبرى؟