كثيرون الذين يدعون الكرم، لكنهم في الحقيقة كذابون رغم كل المظاهر التي يعرضونها للناس للتدليل على كرمهم. فالكرم الحقيقي ليس أن تعطي من هو في غنى عن عطائك، ترشيه لتنال منه لقب (كريم)، الكرم الحقيقي هو أن يكون عطاؤك لمن هو في حاجة حقيقية إليه، فتعطيه لتعينه لا لتتلقى منه ثناء يطربك. إنك حين تنحر الذبائح العديدة لضيفك، وترش من حوله الهيل، وتغسل يده بدهن العود، وتصب فوقها العسل، تفعل ذلك كله تطلعا إلى أن يقال عنك كريم، لا تكون كريما، وإنما أنت تاجر تقدم مالك لتشتري لقبا يسرك وتنال ثناء يطربك، أما الكرم الحق فهو أن تبذل مالك لمن لا يجد، فتدفعه لمريض لا يجد أجرة العلاج، ولعازب لا يجد مؤونة الزواج، ولطالب علم لا يملك قيمة كتاب، وليتيم لا يجد ما يسد جوعه، تفعل ذلك سرا لا تنتظر من ورائه جزاء ولا شكورا، حين تفعل ذلك تكون كريما حقا. حين تكرر ظهور بعض السفهاء الذين ينفقون أموالهم بسفه على ولائم معدة للتفاخر والتباهي باسم الكرم، استنكر ذلك السلوك بعض من الناس وطالبوا بردعهم وتأديبهم، لكن بعضا آخر كان له رأي مختلف، فهم يرون عدم صواب معاقبة من يبذر ماله الخاص، لأنه حر في كيفية إنفاق ماله كما يشاء، وليس لأحد حق التدخل لفرض قيد عليه أو إرشاده كيف وأين ينفق ماله. لكن هؤلاء المعترضين على معاقبة أولئك السفهاء، غاب عنهم أن الناس يطالبون بالأخذ على أيديهم ليس لأنهم يبذرون أموالهم وينفقونها بسفه لا رشد فيه، فهذا أمر يخصهم وهم الذين سيحاسبون عليه عند ربهم، وإنما هم يطالبون بمعاقبتهم لتجرؤهم على نشر حماقاتهم على الملأ وإظهارهم لها بمظهر الكرم، فهم بفعلهم هذا يسنون للناس سننا ضارة في السلوك الاجتماعي، خاصة أن الناس في طبيعتهم الغيرة والرغبة في التشبه بالمظاهر التي تدل على الغنى، وحين تعرض تلك المظاهر على أنها دلالة على الكرم، ينجذب إليها كثير من الناس رغبة منهم في اكتساب تلك الصفة السامية التي يرونها لا تتحقق لهم إلا أن يقوموا هم أيضا بفعل مشابه. من المحتمل ألا تكون العقوبة مجدية في تغيير سلوك أولئك السفهاء، لكنها مجدية في الحد من نشرهم الرسائل الضارة التي تزين تبذير المال والسفه في إنفاقه. من أراد أن يرتكب سوءا وفعلا أحمق فذاك شأنه، ولكن ليس له أن ينشر فعله السيئ على الملأ، فيشيع بين الناس، وربما تحول فصار فعلا مطلوبا. azman3075@gmail.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 738303 زين تبدأ بالرمز 160 مسافة ثم الرسالة