ليست المرة الأولى التي يتم فيها اكتشاف عملاء للاحتلال الإسرائيلي داخل البيت الفلسطيني، ولن تكون الأخيرة، فهي قصة طويلة ومزمنة، ولكن أن يتم اكتشاف جاسوس للاحتلال يعمل في واحدة من أكثر المؤسسات الفلسطينية حساسية، كما هي الحال في مكتب المفاوضات التابع لأمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والذي يديره صائب عريقات، ولمدة 20 عاماً، فهذا يطرح علامات استفهام كثيرة، ليس فقط حول الضرر الذي جلبه على القضية الفلسطينية وسير المفاوضات طوال هذه الفترة، بل حول المنهج الذي تتبعه السلطة الفلسطينية مع عملاء الاحتلال. لم يعد سراً أن الاحتلال، عمل منذ بداية احتلاله للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، على إنشاء شبكة واسعة من العملاء، اعتمد عليها في فرض سيطرته هناك، ووفرت له إمكانية إرسال أقل عدد من جنوده إلى المناطق المحتلة والاحتفاظ بأغلبية جنوده على جبهات أخرى. ووفق التقارير الإسرائيلية، فقد كان الاحتلال يدير المناطق المحتلة ببضع مئات من الجنود والإداريين حتى الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 1987، ولهذا كان يطلق عليه الاحتلال الرخيص أو الاحتلال بلا تكلفة، لكن الأمور تغيرت بعد ذلك، واضطر الاحتلال لإرسال الآلاف من جنوده إلى تلك المناطق، فيما بقيت شبكة العملاء على حالها، باستثناء ما تمكنت الانتفاضة من اكتشافه منها وتصفيته. وبعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، عمل الاحتلال على حماية هؤلاء العملاء بالإصرار على إدخالهم ضمن الاتفاق، ونقل بعض المكشوفين منهم إلى مستوطنات داخل الأراضي المحتلة عام 1948. لكن اللافت هو كيفية تعامل السلطة بعد اتفاق أوسلو مع هؤلاء العملاء، إذ أنها أبقت على هذه الشبكة في البداية، ومع مرور الوقت سعت إلى توظيف أعداد كبيرة منهم كعملاء مزدوجين، بذريعة أنهم أصبحوا مكشوفين وينبغي الاستفادة منهم. وقد يكون هذا المنهج قد أضر كثيراً بالقضية الوطنية، إذ شعر الكثير من هؤلاء العملاء بتوفر الحماية، وراحوا يتغلغلون في أجهزة السلطة ومؤسساتها، وربما على أعلى المستويات وصولاً إلى الهيئات القيادية، وإلا كيف نفسر وصول الاحتلال إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات واغتياله عن طريق تسميمه. ومع ذلك، ينبغي القول إن استهداف القيادات الفلسطينية ليس جديداً، فقد عمل قادة الاحتلال ما بوسعهم للوصول إليها، قبل أوسلو (إبان مرحلة الثورة) وبعده، وقد تصدت أجهزة الأمن الفلسطينية بنجاح، في مرات كثيرة، لأجهزة الموساد والشاباك الصهيونية، وأفشلت محاولات عديدة لاغتيال قادة فلسطينيين، لكن الأجهزة الصهيونية نجحت أيضاً في اغتيال العديد منهم. ولم يتوقف الصراع بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والصهيونية، ولن يتوقف على الأرجح، لكن ما يؤخذ على الجانب الفلسطيني هو الركون والتراخي المستند إلى التنسيق الأمني مع الاحتلال. وما يؤخذ أكثر على الجانب الفلسطيني، هو عدم تطهير مؤسسات السلطة والساحة الفلسطينية عموماً من عملاء الاحتلال. فهل تستفيد السلطة من كشف جاسوس زرعه الاحتلال في واحدة من أهم مؤسساتها، سواء لجهة تغيير خططها وبرامجها بعد تسريب الوثائق والمعلومات الأكثر أهمية للعدو، أو الشروع بعملية جادة لمراجعة منهجها بالكامل في التعامل مع عملاء الاحتلال، بما في ذلك التنسيق الأمني. younis898@yahoo.com