دعونا نقرر أولا أن المواطنة الصالحة، لا تكتمل إلا عندما يكون الاحترام أساس العلاقات التي تجمع مكونات المجتمع، فالاحترام في حد ذاته قيمة كبيرة تتخطى حدود الجغرافيا والتاريخ وتشكل الأساس المتين لأي علاقات دولية مستقرة، وقد نذهب إلى ما هو أبعد حين نشير إلى أن من يرفض احترام الآخر، تعصبا لفكره أو علمه، يكون قد أسدل الستار على ما لديه من فكر وثقافة وطواها في غياهب النسيان، ولا يعني ذلك دعوتنا للتخلي عن الثوابت والذوبان في المجموع وإنما يتعلق الأمر باحترام الآخر وكينونته وحقه في الحياة. فليس منطقيا أن تقاطع هذا لأنه لا يعتنق نفس دينك أو تكره ذاك لأنه لا ينتمي لمذهبك أو لا تحترم ثالث لأنه من عرق أو طائفة مغايرة، وإنما الصحيح أن قواعد الحياة والإنسانية تتطلب التواصل مع الجميع واحترام كل بني البشر، لأنك حين تفعل ذلك فإنك تحترم انسانيتك بالدرجة الأولى، وهناك حكمة إلهية عظيمة وراء تباين البشر في لغاتهم ودياناتهم وأعراقهم، ولو أراد ربك البشر، نمطا وفكرا واحدا، لكان ذلك واقعا، ولذلك ليس بغريب أن تتنوع الثقافات والعقائد وأن تتعايش سويا، ويعمل أهلها وأصحابها في منظومة دنيوية واحدة، هدفها في الأخير تسهيل حياة البشر وتحقيق الرفاهية لهم، وهو أمر ترجمه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي تم اعتماده عام 1948 في مادته الـ 18 بالقول لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، والمدقق في هذا الشأن يدرك أن هذا الأمر، أقره الإسلام قبل قرون عديدة ما يجعل المعتقد الديني، علاقة خاصة بين الإنسان وربه. نقولها بكل وضوح:إن احترام الآخر، قمة أشكال الثقافة وتنمية ثقافة الاحترام المتبادل أساس المجتمع المتماسك، ومهما كانت تجارب وخبرات الفرد، فلابد من احترامه ثقافة غيره والتعامل معهم على أساس أنهم جزء لا يتجزأ من كيان المجتمع الواحد، فالتباين في وجهات النظر، ثراء اجتماعي ما دام يصب في مصلحة المجتمع، ونحن بحاجة إلى ثقافة دائمة تغذي فينا احترام الآخر والنظر بتقدير إلى كل تجاربه، ليس هذا وكفى، نحتاج لأن نتسامح ونتعايش بحب وإخلاص ونعمل على تقديم حسن النية على ما سواها، فتعميق ثقافة التسامح وتنشئة الأجيال عليها، واجب أخلاقي وتربوي ليس فقط تجاه أنفسنا وأبنائنا وإنما تجاه ديننا ووطننا.