التطرف هو الذهاب إلى الطرف البعيد عن الوسط والاعتدال، وهو نوع من التفكير غير المنضبط الذي يقود أصحابه إلى اعتقاد أنهم وحدهم على الحق، وأنَّ غيرهم ينبغي أن يطاوعهم في أفكارهم ومعتقداتهم. التطرف هو تجاوز قوانين المعرفة والعلم في تفسير نصوص الشرع، التطرف هو التشديد حيث لا يجوز التشديد، والحسم في مسائل خلافية لا حسم فيها، التطرف حالة من ازدراء الآخرين، والطغيان بالقول والفعل على المخالفين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثاً (رواه مسلم)، والتطرف نابع من الجهل بحقائق الدين، وفي مسند أحمد عن ابن عباس أن رجلا أصابه جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام، فأمر بالاغتسال، فمات، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألم يكن شفاء العي السؤال). فأفتوه بوجوب الاغتسال ظناً منهم أن ذلك هو الذي يرضي الله ويحقق به ما أوجب الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قتلوه قتلهم الله)، ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الواجب على الجاهل أن يتعلم أولاً ويسأل العلماء، وليس أن يفتي فقال صلى الله عليه وسلم: (ألم يكن شفاء العي السؤال). ولكن العجيب أنَّ المتطرف والمتنطع مهما بلغ تنطعه وتشدده لو سألته هل أنت متطرف؟ هل أنت متشدد متنطع؟ هل أنت تكفيري؟ هل أنت تفهم الكتاب والسنة فهما عشوائياً من دون منهج وقواعد؟ لو وُجِّهَت هذه الأسئلة لجميع من يمارس التكفير والعنف والتطرف كائناً من كان، ولأي فئة انتسب فسيكون جوابه لا، وسيقول: لست متطرفاً ولا تكفيرياً، ولا عشوائياً في فهم نصوص الشرع، وسيقول: كيف أكون متطرفا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاعتدال، وكيف أكون متشدداً وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد والتنطع، وكيف أكون تكفيرياً وقد زجرت نصوص الشرع عن التكفير وحذرت من الوقوع فيه. هذا جواب الجميع، حتى من يمارس القتل والسفاهة والعنف والإحراق والإغراق، الكل يدعي الوسطية والاعتدال والمنهجية والسماحة. فما المعيار الذي نتمكن من خلاله أن نميز بين الفهم القويم والفهم السقيم، والمنهج السوي، والمنهج المنحرف؟ وللجواب عن هذا السؤال المهم أقول: إن مناهج العلماء الربانيين عبر ألف وأربعمئة عام منهج ثابت في أصوله مرن في فروعه، واضح في قواعده ومسالكه، وقد ظهرت المدارس الفقهية الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وكانت عامل انسجام بين أطياف المجتمع، تآلف في رياضها الحاكم والمحكوم، وأخذ الناس منها ما يناسب وضعهم وزمانهم ومكانهم، كما كان أئمة التزكية يرشدون الناس إلى الأخلاق القويمة، والتصرفات الحميدة، والتعاون على البر والطاعة والخير، في بحبوحة المحبة والألفة. كما أننا نستطيع أن نجزم وبكل ثقة ويقين أنَّ جماعات التكفير والصراع على السلطة من خلال أطروحاتها التي بين أيدينا بعيدة كل البعد عن «علم أصول الفقه» و«مقاصد التشريع»، ومَنْ كان كذلك فهو بعيد عن إدراك فهم النصوص الشرعية على وجهها. إن الرجوع إلى مناهج العلماء الربانيين ومسالك الفقهاء الراسخين في فهم نصوص الوحي الشريف هو المخرج من هذا التخبط والضلال الذي يمارسه المتطرفون باسم الدين. إن واجب أهل القرار والرأي أن يمكنوا للخطاب الديني الراشد الناضج العلمي الذي سارت عليه الأمة عبر تاريخها، فكان الخطاب الديني هو الدافع للألفة والمحبة والتعاون والبناء والحضارة والعمران، وكيف لا يكون الأمر كذلك وهي رسالة نبي الرحمة.