وضع الموت، يوم الإثنين الماضي، نهاية لمأساة الفنان عبدالعزيز مكيوي، بطل فيلم (القاهرة 30)، علي طه، الذي ألهم ملايين المتفرجين بالتفاؤل، وجسّد دوراً لمناضل ثوري، ضد القصر والإنجليز في الفيلم الذي اعتبره نقاد تحفة فنية لترسيخ مباديء ثورة 23 يوليو 1952، وبينما قدم مكيوي في تجسيده لشخصية، علي طه، صورة وردية للشاب الحالم العاشق لوطنه وللجميلة (سعاد حسني)، رغم الانتكاسات، عاش مكيوي على أرض الواقع فترات صعبة، وصلت الى التشرد والجوع، فيما كشفت عائلته عن مروره بأزمة نفسية حادة أدت الى إرباك حياته. تميّز عبدالعزيز مكيوي (29 يناير 1934 ــ 18 يناير 2016) بتفوقه العلمي المبكر اللافت وثقافته النوعية والتزامه السياسي، حيث كان يتقن ثلاث لغات، هي الانجليزية والفرنسية والروسية، كما أنه حصل على بكالوريوس الفنون المسرحية عام 1954، وهو في عمر لم يتجاوز العشرين، كما أنه أكمل دراساته العليا بالخارج (روسيا)، ثم عاد ليؤدي أدواراً منتقاة بعناية، كان أبرزها فيلم القاهرة 30 ولا تطفئ الشمس ولا وقت للحب، ومسرحية الطعام لكل فم لتوفيق الحكيم، ومسلسل الكهف والحب، والوعد الحق، والقضاء في الإسلام. انتشرت في عام 2004 على صفحات التواصل الاجتماعي، صوراً لعبدالعزيز مكيوي في شوارع الاسكندرية، وهو دون مأوى أو مأكل، ويعاني المرض والشيخوخة، وبجانبه كرسي متحرك، وقالت روايات لم يتسنَّ التأكد منها أن صحافية مصرية في جريدة ذائعة الصيت والانتشار، اكتشفت وهي تعطي متسولاً نقوداً انه مكيوي، ثم اختفت هذه الصور دون التأكد من صحتها، ثم عادت الصور ذاتها وأخرى شبيهة لتظهر بعد الثورة عام 2011، لكن هذه المرة تصدى لها الفنان محمود عامر، وقال على صفحته على فيس بوك في ما يشبه البيان انتشرت بعض الصور عن الفنان القدير عبدالعزيز مكيوي انه في شوارع الاسكندرية، وأؤكد أن هذا الكلام عارٍ عن الصحة تماماً، والاستاذ الفنان معزز مكرم، ويعالج في أحد مستشفيات القوات المسلحة، فلا داعي لنقل هذه الصور التي كانت منذ ثلاث سنوات على أنها الآن، واحتراماً لتاريخه أرجو من كل الأصدقاء عدم نشرها. وفي أكتوبر 2013، انتشرت مجدداً صور للفنان الراحل في حالة سيئة نائماً على الرصيف، قالت إنه يتسول، لكن نقابة المهن التمثيلية نفت ذلك، وقال المتحدث باسمها صبري فواز إن الصور التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قديمة، وتعود لعام 2011، والأستاذ عبدالعزيز يمر بحالة صحية غير مستقرة (بدنياً ونفسياً)، وتكفّلت به نقابة المهن التمثيلية، وتم تسكينه فى إحدى الشقق التابعة للنقابة بوسط البلد، فهجرها إلى الشارع، فتم تأجير شقة في شارع البحر الأعظم لتكون أمام نادي النقابة، فهجرها إلى الشارع.، وأخيراً استقر الرأي على أنسب وضع في حالته، أن يودع في أحد المستشفيات التي تحقق له الرعاية النفسية والصحية. وتابع: خاطبنا القوات المسلحة لمساعدتنا في توفير غرفة بأحد مستشفياتها، ووافقوا مشكورين، وهو يعيش معززاً مكرماً يلقى كل الرعاية، وطالب فواز كل من نشر الصور بنشر توضيح الأمر. وقد جاءت وفاة مكيوي لتضع نهاية لتلك التجاذبات، كما كشف محمد مكيوي، ابن شقيق عبدالعزيز مكيوي، لصحيفة الوطن المصرية بعد الوفاة، أن عمه تعرض لصدمة نفسية ترجع الى فقدانه زوجته بعد قصة حب كبيرة بينهما بعد اصابتها بجلطة في المخ وهما في لندن، ومن بعدها لازمه الاكتئاب المزمن، وكان كل فترة يقبل عملاً فنياً بالضغط من زملائه، ثم يعود الى الاكتئاب، إلى ان ذهب الى مصحة نفسية بمستشفى المعادي العسكري. وقال الناقد الفني والكاتب الصحافي، هشام لاشين، لـالإمارات اليوم إن مأساة مكيوي تكشف بعداً آخر غير رؤيتها المباشرة. فالرجل الشاب المثالي الذي كان يؤمن بمُثل ومبادئ الاشتراكية، ويدعو إلى الثورة على الرأسمالية والانحطاط الأخلاقي، رحل في دار مسنين وحيداً كئيباً وغريباً، بعد أن تركه أهله ومعارفه وأصدقاؤه، يفترش الأرض ويعيش حياة المشردين في الشوارع، وينام على أرصفة الإسكندرية، قبل أن تنتشر صوره على مواقع التواصل وتضطر نقابة الممثلين للقيام بدورها الذي تخلت عنه طويلاً، فتؤويه بدار المسنين التي توفي بها عن عمر 82 عاماً، ليس بأمراض الشيخوخة فحسب، ولا بالأمراض النفسية التي عاناها فعلاً بعد رحيل زوجته، وإنما بسبب الاكتئاب والوحدة والانعزال في مجتمع أدمن الخطيئة والظلم والاستبداد، وكأن رحيله صرخة يتردد صداها على مدار قرن إلا ربعاً تقريباً دون مجيب. وقالت الفنانة المسرحية بيات البليهي لـالإمارات اليوم: إن عشرات الفنانين المصريين ماتوا في ظروف صعبة من الفقر والمرض، ووصل الأمر الى حالة التشرد، لكن حالة عبدالعزيز مكيوي هزت المجتمع المصري، خصوصاً الاجيال القديمة، لأن الجميع تعلق بشخصية علي طه في (القاهرة 30)، واعتبره الأمل، واعتبر حبه لسعاد حسني أيقونة، والوعي الشعبي يحب هذا المستوى من التفكير ويندمج فيه، ويخلط بين الواقع والخيال.