الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان في ديننا الحنيف، ويعني التصديق والاعتقاد الجازم بوجودهم وبصفاتهم وبوظائفهم التي وردت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إيماناً تاماً لا يتطرق إليه شك ولا ريب، قال تعالى وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً (النساء) 136 والملائكة مخلوقات من عالم الغيب الذي لا يتسنى لأي امرئ منا إدراك حقيقته ومعرفة كنهه، خلقهم الله عز وجلَّ من نور، قال صلى الله عليه وسلم خلق الله الملائكةَ من نور وخلق الجانَّ من مَارجٍ من نار وخلق آدم مما وصف لكم (رواه مسلم)، فهم ذواتٌ حقيقية وليست وهمية أو رمزية كما يوحي بعض البعيدين عن العلم والفقه، وهم في حالة انقياد تام وتنفيذ كامل لأمره سبحانه، ولا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه في الليل والنهار لا يَفْتُرون ولا يتوقَّفون عن ذلك، قال تعالى وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء19-20) وللملائكة وظائف عديدة دلت عليها آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية المشرفة: { فمنهم الموكلون بحمل عرش الرحمن جلَّ وعلا، قال تعالى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (الحاقة 71). { ومنهم الموكلون بالوحي وتبليغ رسالات الله وكتبه إلى الرسل من البشر، قال تعالى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (الحج 75) والموكل بهذه الوظيفة هو جبريل عليه السلام، قال تعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (البقرة 78)، وروح القدس هنا هو جبريل. { ومنهم الموكلون بالجبال، قالت عائشة يوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال لقد لقيتُ من قومِكِ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ؛ إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعتُ رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ ثم قال: يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئتَ إنْ شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخْرِجَ الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً (رواه مسلم). { ومنهم خازن الجنة، ويقال إن اسمه رضوان، فمن العلماء من يحمل لفظة رضوان في قوله تعالى يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (التوبة 12) على أنه خازن الجنة. { ومنهم خزنة النار، قال تعالى تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (الملك 8)، وقال تعالى على لسان أصحاب النار وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (الزخرف 77). { ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد وأقوالهم وكتابتها، قال تعالى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق 16-18 ) { ومنهم الموكلون بقبض أرواح الناس، قال تعالى وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (الأنعام 16) { ومنهم الموكلون بسؤال العبد في القبر، كما جاء في حديث مشهور للرسول صلى الله عليه وسلم. والملائكة كثيرو العدد، وأفضلهم جبريل، ومنهم ميكائيل وإسرافيل عليهم السلام، قال صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائيل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار ومن عذاب القبر (رواه النسائي وصححه الألباني). ومن أبرز صفات الملائكة أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناسلون، وخلقوا على صورة عظيمة ولهم أجنحة متباينة العدد، قال تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (فاطر 1)، وقد أعطاهم الله القوة ليتمثلوا ويتشكلوا في غير صورهم التي خلقهم الله عليها حسبما تقتضيه الأحوال. د.تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين، رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً، أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس www.tayseer-altamimi.com info@tayseer-altamimi.com