×
محافظة المنطقة الشرقية

التشهير بالتجار المتلاعبين بـ «الضمان» المقدم على السلع

صورة الخبر

قال أبوعبدالرحمن: لا أَمَلُّ بين الفَيْنة والفينة من التعريج بِجرعاتٍ عن (النظرية الجمالية)؛ لأنها عند الخواجات ومثقَّفي العرب بحوث فلسفية جامدة غامضة؛ بسبب أنهم جَرَّدوا الإحساس الجمالي للمعرفة والعلم، وأهملوا الجانب الغريزي.. ولا ريب أن (الإحساس الجمالي) معرفة وعلم؛ وهذا حق، ولكنَّ ذلك لا يظهر إلا بعد إيقاعٍ لذيذ يستجلي ما هو جميل مُمْتع من مناظر طبيعية، ومن نماذج أدبية، ثم يكون بعد ذلك (الحُكمُ الجمالي) المُنتج علماً ومعرفة.. وعُنيتُ أيضاً بالتعريج على النظرية الجمالية بجرعاتٍ أكثرها تجريبيَّة؛ لأن تأصيل هذه النظرية وإن لم يكن في بلادي السعودية معدوماً فهو انطباعات عاجلة يُستمَدُّ أكثرها مِن مأثورنا البلاغي.. وحينما يحار الإنسان بين التذاذه بمنظر طبيعي أو فني أو نصٍّ فني، أو سماع فنِّي وبين عجزه عن تحديد الماهية التي أثارت الجمال في النفس من ذلك الموضوع الخارجي، ويعجز أن يستخرج من الموضوع ماهيةً تجعل الإحساس علماً بتحديد لغوي واضح: فلا يعني أن الإحساس الجمالي لا يُنتج علماً؛ وإنما نَتحَسَّسُ من اللذة الجُوانية في النفس، ومن تحليل الموضوع الخارجي ظواهرَ ستكون أمامنا بارزةً جداً من التجارِبِ الطويلة في تذوُّقنا الفنونَ الجميلةَ؛ مما نَعُدُّه جمالاً؛ فهو ابتداءً علاقةٌ بين الوِجْدان في النفس وبين الموجود الخارجي الذي نُسمِّيه موضوعاً.. ومثال ذلك هذا المنظر الطبيعي عن مُنْحَدَر من مُرتفع يسقط منه ماء بشدة وعنف؛ فيتناثر منه الرذاذ على جميع الأنحاء مختلطاً بأشعة الشمس؛ ومن ثم تبدو ألوان طيف متناسقة.. ويحتضن المنحدرَ إطارٌ أخضرُ من غابات أشجار باسقة، وأرض سندسية انتشرت فوق أديمها قطعان الماشية، وتخلَّلَتْها زهور مختلفة الألوان؛ فهذا منظر خلَّاب عند أكثر عباد الله من عامي ومن مُثقَّف عالي الثقافة.. وقد يوجد قِلَّة من الناس تفتقد الإحساس بهذا الجمال، ولكنَّ ذلك ضمن حالةٍ حَجَبَتْ الإحساس بالجمال؛ ذلك أن النظرية الجمالية أمشاج تتكوَّن من الموضوع بمواصفاته كالمنظر الطبيعي الذي أسلفته، ومن الشخص الذي وُجِد عنده الإحساس الجمالي وَفْق درجات ثقافته وأخلاقه وتديُّنه، ومن العلاقة بين الشخص ذي الإحساس وبين الموضوع في حالات يُسْتَلَب فيها الإحساس وتُحجب الرؤية، أو في حالات يتضاعَف فيها الإحساس بالجمال لعلاقة حميمة بين ما هو جميل في نفسه؛ لأن ما ازداد جماله إنما كان ازدياده بحالة جمالية أخرى يعيشها ذو الإحساس الجمالي، وتلك الحالة من أنواع التداعيات النفسية والمعنوية والفكرية.. خذ مثال ذلك من حال خواجي يجلس مع أليفته لسماع موسيقى أو لحن؛ فيطير فرحاً ويقول: (يا حبيبتي: إنهم يعزفون أغنيتنا)؛ فأيهما أثار استابته لذلك الفن: أهو قيمة فنية داخل اللحن نفسه، أو هو قيمة خارجة عن اللحن آتية من خبرة سابقة؛ وإنما ارتبطت باللحن؛ لأنه أثار الانتباه إليها بشكل ما، أو هو قيمة اللحن وروعة الذكرى معاً، أو قيمة اللحن الفنية ومتعة الحالة التي يعيشها مع قرينته حضوراً وليس ذِكْرى سابقه، وهل من شرط القيمة الفنية أن تُسْتخلص بعيداً عن علاقتها بالأشياء الأخرى؟!.