بيروت: ليال أبو رحال شكّل الثناء على صفات الاعتدال والانفتاح التي تميزت بها مواقف الوزير السابق محمد شطح، خلال مسيرته السياسية، القاسم المشترك الوارد على لسان كل المسؤولين والقياديين اللبنانيين، الذين نعوه، أمس، منددين بجريمة اغتياله وبإعادة لبنان إلى دوامة الاغتيالات السياسية التي تلازمه منذ عام 2004. يشيد عارفو شطح، صاحب السيرة الذاتية الغنية بالإنجازات الأكاديمية والمهنية والاقتصادية والسياسية، بدماثة أخلاقه وهدوئه ورصانته، التي ظهرت واضحة في مسيرته السياسية، وجعلته أحد عقول تيار المستقبل اقتصاديا وسياسيا، بعد أن عمل لسنوات متواصلة في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة الأميركية، بينما كان لبنان غارقا في الحرب الأهلية. وعلى الرغم من أن معرفة رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري بشطح كانت عابرة خلال لقاء في واشنطن في الثمانينات، فإن ذلك لم يحل من دون طلب الحريري إليه العودة إلى لبنان لشغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان في عام 1993، ثم يعينه سفيرا للبنان في واشنطن خلال عام 1997. يتحدر شطح من مدينة طرابلس، شمال لبنان، وهو من مواليد عام 1951، ومتزوّج وله ولدان، أحدهما يقيم في بيروت، والآخر في الولايات المتحدة. وشطح حاصل على بكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1974، ودكتوراه في الاقتصاد من جامعة تكساس في الولايات المتحدة عام 1983، حيث درّس أيضا فيها مادة الاقتصاد أعواما عدة. شغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان من عام 1993 حتى عام 1997، ومنصب سفير لبنان لدى الولايات المتحدة من عام 1997 حتى عام 1998. عمل في «صندوق النقد الدولي» في الولايات المتحدة، من عام 1983 حتى 2005، حيث تبوّأ مناصب مختلفة، منها مستشار لمجلس إدارة الصندوق عن منطقة الشرق الأوسط ونائب المدير التنفيذي. بين أغسطس (آب) 2005، ويوليو (تموز) 2008، شغل شطح منصب مستشار رفيع لرئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، ثم عيّنه السنيورة وزيرا للمالية في حكومته في يوليو 2008. وتولى منذ أغسطس 2009 منصب مستشار رئيس الحكومة السابق، رئيس تيار المستقبل سعد الحريري. وفي مقابلة صحافية تعود لعام 2010، أعاد موقع «جنوبية» اللبناني نشر مضمونها أمس، قال شطح: «لأنني رجل مهمات، فإنّ مهمتي الآن مساعدة الرئيس سعد الحريري في كل ما يحتاج إليه مني، وأستطيع أن أقوم به. الظروف اليوم تقتضي مني هذا النوع من العمل. خبرتي وتاريخي أضعهما في تصرف الحريري، وما دمت قادرا على العطاء والحريري يحتاج إليّ، فأنا موجود كمستشار يعطي رأيه». وكان لافتا أمس ما جاء على لسان النائب في كتلة حزب الله علي فياض الذي أثنى على دور شطح الحواري، بقوله إنه «كان الشخص الذي يجري اختياره بمبادرات على المستوى الداخلي وعلى المستوى الدولي، لدخول أطر حوارية خلفية تحاول أن تخفف من حدة الانقسام الداخلي وتبحث عن منافذ لمعالجة الأزمة القائمة». وقال فياض إن شطح «مصنف من الشخصيات التي تملك اعتدالا ما، وتملك منهجية تؤمن بالحوار والتواصل بغض النظر عن الاختلاف السياسي الذي يعرفه الجميع»، عادّا أن «الصفة العامة التي طبعت شخصية شطح، من كل الذين اقترب منهم أو اقتربوا منه من مواقع سياسية مختلفة، كان الانطباع هو الاعتدال والإيمان بالحوار والتواصل». ولم تقتصر مهمات شطح على الداخل اللبناني، إذ احتفظ بمروحة علاقات دولية واسعة، وهو ما عبرت عنه سفيرة الاتحاد الأوروبي أنجلينا ايخهورست بقولها، أمس، إن شطح «كان صديقا لها ولأوروبا ولكل العالم»، وأوضحت أن «تحليله كان دقيقا وكان لديه مشروع لرفع ووضع لبنان على المستوى الدولي». وفي موازاة إشارتها إلى أن «استهدافه رسالة ضد الاعتدال، ونحن نرفضها تماما»، أشادت سفارة الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ شطح الطويل في «مجال تعزيز استقرار لبنان والمبادئ الديمقراطية في لبنان والخارج، من خلال عمله داخل الحكومة اللبنانية، وكسفير لبنان لدى الولايات المتحدة، ولدى صندوق النقد الدولي». وفي الإطار ذاته، عبر السفير الفرنسي باتريس باولي عن «حزنه الشخصي وحزن كل الفرنسيين العميق لهذه الخسارة الكبيرة». وقال: «كان محمد شطح صديقا شخصيا، وكنا نقدره لأنه رمز التسامح والاعتدال والبحث عن الحلول». في مقابلة صحافية سابقة، ولدى سؤاله عن ولديه، قال شطح: «إذا سألتني أين سيكونان طوال حياتهما لا أعرف الإجابة، ولا أعرف أنا أين سأكون في الآتي من الأيام». بالأمس رحل شطح، وانضم إلى من سبقه من أصدقاء وحلفاء، ومُني الاعتدال السياسي بضربة جديدة.