×
محافظة المنطقة الشرقية

الخليج وصيفا

صورة الخبر

أضفى اختيار «بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013» حيوية وحراكاً على المشهد السينمائي العراقي لم يعرفهما العام الماضي الذي اتسم بالركود. وبفضل المناسبة تلقت مشاريع سينمائية جديدة دعماً مالياً ضخماً، نسبياً، من الحكومة، نَشّط آلية الإنتاج السينمائي وساهم في إبراز السينما كفعل إبداعي على الواجهة الإعلامية، في الأقل، ودخلت عبره، مرة أخرى، الدولة كطرف أساس وفعال في عملية دعم الإنتاج. وعند هذه النقطة يجدر التوقف. لقد أثارت عملية اختيار بعض مشاريع الأفلام المقدمة للدعم، جدلاً طويلاً حولها، وانقسم السينمائيون بين مؤيد ومعارض لها. بعضهم رأى فيها تدخلاً مباشراً للدولة والآخر اعتبرها حقاً مشروعاً لهم وجزءاً من مستحقاتهم من مداخيل دولتهم «النفطية». وبصرف النظر عن آراء الطرفين تشي الوقائع بطابع الانتاج الآني وافتقاده التخطيط البعيد المدى، وقد ظهرت أولى نتائجه حين ألغت وزارة الثقافة عرض أول أفلام مشاريعها، «بغداد حلم وردي» للمخرج فيصل الياسري، بحجة وجود مشاهد فيه تمجد النظام السابق أو تفضح حنيناً إلى أيامه! خطوة تتطابق بالكامل مع سلوك حكومي يعتبر الفيلم ملكاً لها ما دامت هي التي قدمت له الدعم، تُوقفه أو تسمح له بالعرض متى شاءت وبمحض إرادتها! وما يخص آنيتها فيتجلى في توقيت دعمها «السخي» مع «مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية» أما ماذا بعد؟ فيظل سؤالاً محيراً لا جواب عليه عند مَن ينظمون شؤون الثقافة العراقية وسينماها، والذي سيدفعنا إلى تكرار ما ينادي به السينمائيون أنفسهم، من ضرورة وضع خطط مدروسة، لا الركون إلى مشاريع حكومية موقته، كريمة في مناسبات وشحيحية من دونها. وفي عملية جرد لما أنجز من مشاريع نجد أن فيلم محمد الدراجي «تحت رمال بابل» الوحيد الذي أنجز وعرض ضمن مسابقات مهرجان أبو ظبي وخرج منها فائزاً بجائزة أفضل فيلم من العالم العربي. الفيلم الثاني «أحلام اليقظة» لصلاح كرم، دخل في سوق مهرجان دبي، ولم يعرض خارجها حتى اللحظة، والأخبار تقول إن فيلم المخرج رعد مشتت «صمت الراعي» انتهى أو شارف على الانتهاء حاله حال «نجم البقال» لعامر علوان. ثلاثة أفلام روائية طويلة أنجزت من مجموع 21 فيلماً، أعلن عنها أحدهما مجهول المصير! مجاورة مع مشاريع أفلام بغداد عاصمة الثقافة العربية، ينشط سينمائيون عراقيون في إنتاج سينما تنتمي إلى نفسها، يسعون من خلالها إلى تحقيق ذواتهم كفنانين موزعين بين جغرافيات متعددة، يجمعهم هاجس إنساني ينعكس بدرجات متفاوتة على إنتاجاتهم التي تجلت العام الحالي، في شكل خاص، في أفلام كردية حقق أصحابها نجاحات على المستوى العالمي كفيلم هشام زمان «قبل سقوط الثلج» الذي فاز بجائزة أفضل فيلم لدول الشمال في مهرجان غوتنبرغ السينمائي، وبجائزة أفضل فيلم من العالم العربي ضمن مسابقات «آفاق جديدة» في مهرجان أبو ظبي. والحقيقة أن تَفرّد عمل هشام زمان، المقيم في النروج، عن أغلب الأفلام العراقية يتمثل في ابتعاده خطوات عن الهم السياسي العراقي المباشر، حين تناول موضوعاً اجتماعياً وإنسانياً عالجه بحس سينمائي مرهف كشف من خلاله عن موهبة واعدة لسينمائي شاب عرف كيف يسرد حكاية فيلمه التي بدأت من كردستان العراق وانتهت في النروج. تَميّز ومِثال لنوع من السينما قادرة على إيجاد قصص إنسانية ليست بالضرورة ذات صلة بحكم صدام حسين وجرائمه، كمعظم الأفلام العراقية التي أنتجت خلال العقد الأخير وفي العام الأخير منه، وكل ما نقرأه يشي بأفلام مقبلة هاجسها الأساس سياسي، ما يطرح أسئلة حول أسباب هذا الميل وما الذي يجنيه السينمائي منه.   مراجعة الماضي هناك من دون أدنى شك حاجة لمراجعة الماضي القريب بل وحتى كل التاريخ العراقي سينمائياً لكن، بأفلام تحليلية عميقة وليست من خلال قصص أُلبست لبوس السياسة أو أَقحمت نفسها عليها، أفلام تُضرّ بها السياسة، على المدى البعيد، أكثر ما تنفعها، فأجمل الحكايات والأفلام تلك التي تمس السياسة مساً خفيفاً وتذهب عميقاً في الهمّ الإنساني المشترك، وفيلم «قبل سقوط الثلج» ينتمي إلى هذه النوعية من الأفلام، وإذا كان هينر سليم في فيلمه «بلادي الحلوة... بلادي الحادة»، الحائز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في أبو ظبي والمشارك في مهرجان «كان» ضمن فئة «نظرة ما»، قد شكل حدثاً استثنائياً في تاريخ السينما العراقية والكردية في آن، إذ يبدو أنه هو الآخر قد دخل لعبة السياسة في فيلمه الجديد، فإن طريقة «لعبه» السينمائي تغفر له ذلك وتخفف من حدته. وعلى مستوى الجهد المستقل يصلح وثائقي قاسم عبد «همس المدن» أن يكون مثالاً للفيلم الشخصي الإنتاج، المبتعد عن إغواء المال الرسمي، و «أكاديميته» السينمائية المستقلة ينطبق عليها التوصيف نفسه. وفي بغداد يحسب للمركز العراقي للفيلم المستقل نشاطه ودوره الذي تجلى هذا العام بمشاركة ستة أفلام روائية قصيرة، من اشتغالات مجموعة من طلاب دوراته، ضمن برنامج خاص في إطار الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي عنوانه «إرث عراقي: أطفال المستقبل». باختصار توزع المشهد السينمائي العراقي هذا العام بين «بغداد عاصمة الثقافة العربية» وسينما أخرى مستقلة أو حاولت النأي بنفسها عن الحدث الآني والسياسي بمسافة.