تُعد العلاقة بين إيران وحركة الإخوان المسلمين في مصر من أكثر العلاقات تعقيداً، ورغم أن الوشائج بين الطرفين تعود إلى فترة زمنية أبعد من العام 1979، غير أن الدراسات التي اهتمت برصد الروابط بين ضفّتي الإسلام السياسي السنّي والشيعي في الأنموذجين قليلة جداً إذا ما قورنت بالكم الكبير من الكتب الذي درس مجمل الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي. في «إيران والإخوان: توظيف الدين لمعركة السياسة» (مركز المسبار للدراسات، آب/ أغسطس 2013) سعى الكتاب الذي شارك فيه باحثون من انتماءات مختلفة إلى سد ثغرة في جدار البحث عن العلاقات الإيرانية -الإخوانية، محاولاً تعقب تاريخ الروابط بين إسلاميي مصر وإيران بدءاً من لحظة التأسيس لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية العام 1949 مروراً بالتقاطع الحركي والفكري والسياسي وصولاً إلى موقف طهران من سقوط الجماعة على إيقاع ثورة 30 حزيران ( يونيو). قارب الباحث السعودي عبد الله بن جاد العتيبي في ورقته المعنونة « الشيعي الإخواني والإخواني الشيعي ودولة المرشد» التشابك الإيديولوجي والوظيفي بوجهيه السنّي والشيعي، انطلاقاً من القول إن خطابات الإسلاميين، فكراً وتنظيماً، توظّف المعطى الديني لأهداف السلطة. يعتبر الكاتب أن تسييس الإسلام مصيبة كبرى، معتبراً أن حركات الإسلام السياسي الأصولية، الشيعية والسنيّة، تأثرت ببعضها بعضاً. يتوقف عند محاولات الإخوان نقل التجربة الإيرانية حين وصلوا إلى الحكم، وكيف أنهم عملوا على قضم المؤسسات الرسمية عبر نهج الأخونة، واستبعدوا المعارضة لإرساء دولتهم على شاكلة ما حدث في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي قامت بتطبيق أسلمة صارمة (نحيل على كتاب تييري، كوفيل، إيران الثورة الخفية، دار الفارابي، 2008) وأقصت معارضيها في حقبتين متباعدتين زمنياً، الأولى إبان التأسيس، والثانية خلال الثورة الخضراء عام 2009. قدم أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية رضوان السيد في دراسته قراءة طليعية، طاولت زمن الإصلاحية الإسلامية وقد تعقّبه ضمن ثلاثة محاور أساسية: أولاً، ظروف ظهور فكر الإحياء وتنظيماته في العالمين العربي والإسلامي؛ ثانياً، مشروع الدولة الإسلامية في مواجهة الدولة الوطنية، ثالثاً، ولاية الفقيه وولاية المرشد. يخلص صاحب «الصراع على الإسلام: الأصولية والإصلاح والسياسات الدولية» إلى أن التفكير الإحيائي لدى السنّة والشيعة ظهر في فترات متقاربة؛ فالإحياء في جوهره يستبطن مبدأ الدولة الدينية، كونه يجعل من الدين أساساً للمشروعية في المجتمع والدولة، بيد أن المشروع الإحيائي هذا عندما تبلورت معالمه العقائدية والسياسية، انتهت قيادتُه لدى أهل السنّة إلى تنظيم ومرشد، بينما انتهت قيادتُه لدى الشيعة إلى ولي فقيه. يجري السيد مقارنة لمفهوم الدولة الدينية لدى الشيعة والسنّة، فهي تبدو طبيعية على نحو ما عند رجال الدين الشيعة لأن الإمامة جزءاً من الاعتقاد، لكنها غير طبيعية لدى السنّة لأن الإمامة في الأصل ليست شأناً دينياً. تناول المفكر اللبناني خليل أحمد خليل في بحثه الموسوم «إشكاليات الشيعية السياسية: هلال شيعي في بدرٍ سنّي» قضايا متداخلة، عمادها أن شيعة العرب يطمحون إلى المشاركة في دول عربية وطنية، ويسعون إلى التقارب والتعارف مع إخوانهم المسلمين السنيين الأكثريين. يحذّر صاحب «شيعة العالم العربي هل هم آخرون في النصف الثاني من القرن العشرين» من أخطار التذرير التي يتعرض لها الإسلام من الداخل، داعياً السنّة والشيعة إلى الانتقال من حرب الفقهاء والمفتين إلى سلم القرآن والإسلام، أي بناء دولة الشراكة، ما يعني تحديث الخطاب الإسلامي السياسي، تمهيداً لإنشاء دولة أكثر عصرية. الحاصل كما يقول الكاتب إن المسلمين لا يجدون في الأنموذج الإخواني المصري نظاماً جامعاً ودامجاً لأمتهم، ولا يرون في نظيره الإيراني سوى منهاج لا يصلح لغير إيران بذاتها، وحتى إنهم يقولون إنه لا يصلح حتى لإيران نفسها، فلا العراق يقتدي بها، ولا سورية تحاكيها، وإن تفرّد حزب الله بتقليده للولي الفقيه مذهبياً. درس الباحث العراقي عبد الحسين شعبان منظومة الإسلام السياسي بعد الثورات العربية والتحديات التي تعترضها، مقارباً العلاقة بين الدين والدولة، كما أرساها إسلاميو مصر وإيران وتركيا وتونس في مداها التاريخي والراهن. يتناول شعبان خطاب وممارسات الإسلاميين من زاوية نقدية على قاعدة صعوبة الدمج بين الديني بقالبه السياسي، والمعطيات التي يفرضها الواقع، لا سيما تلك التي تتعلق بالتعددية السياسية والديموقراطية وحقوق الإنسان؛ فالأيديولوجيا الإسلاموية غير قادرة على تجاوز المطبات التي تعترضها، إذا بقيت قابعة في رؤيتها الأحادية وتغاضت عن التحديث وكرست اللاهوت السياسي وتعامت عن الراهن مع ادعاءات الحديث عن الدولة المدنية، التي تعني الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، ودعم المواطنة وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات. اعتبر شعبان أن المرحلة القادمة ستشهد صراعاً ليس بين الإسلاميين والعلمانيين فحسب، بل بين إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين، قد يصل إلى قبول فريق منهم بالدولة المدنية مثلما هي الحال في تركيا. «العلاقات المصرية - الإيرانية بين الإقبال والمراوغة» عنوان ورقة قدمها الباحث المصري في الشؤون الإيرانية محمد محسن أبو النور. عرض لعلاقة إخوان مصر مع طهران في سياقها المعاصر وهي الفترة الممتدة بين عامَي 2011 و 2013، علماً أنه أحالنا على بعض المحطات التاريخية السابقة. حدد الكاتب مجال رصده في ثلاث قضايا أساسية: مسألة أمن الخليج، والثورة السورية، وحركة حماس باعتبارها رافداً من روافد التنظيم الدولي للإخوان والمدعومة في الوقت نفسه من طهران. يسلط الباحث اللبناني هيثم مزاحم الضوء على الحركة الإسلامية الإيرانية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر ضمن مستويين سياسيين: أيديولوجي وحركي، مفصلاً الكلام عن الاتجاهات داخل أكبر حركتين إسلاميتين، التي ظهرت ضمن تيارات محافظة وإصلاحية ومعتدلة. يشير إلى هرمية القيادة داخل الإخوانية، ويعرج على تنظيمها الدولي، ومن ثم ينتقل إلى صلب موضوعه، فيشرح الانقسامات الحاصلة في الجماعة، التي بدأت بعد مقتل حسن البنّا عام 1949. يمهد الكاتب في ورقته للظروف التاريخية المفجرة للثورة الإسلامية في إيران، شارحاً بشيء من الإيجاز لتجربتها في قيادة الدولة، كما أنه يتحدث عن نشأة التيار الإصلاحي الذي ضمّ اتجاهات عدة، مبيناً أبرز مطالبه وفي طليعتها الانفتاح في العلاقات مع الخارج. يبرز مزاحم المشتركات والفوارق بين إسلاميي إيران والإخوان، فيقارن مواقفهم تجاه مسائل عدة من ضمنها الموقف من الغرب والقضية الفلسطينية، والمنهج المتبع لإقامة الدولة الإسلامية. عالجت الباحثة ريتا فرج مفهوم الوحدة الإسلامية لدى الخميني والبنّا، وكشفت عن تجلياتها على مستوى الخطاب لديهما، وموقفهما من المذاهب الإسلامية والتقريب. تلاحظ الورقة أن اللغة المذهبية غابت عنهما بصرف النظر عن التداعيات المذهبية اللاحقة، ومؤثراتها في أكبر حركتين إسلاميتين. تقول الكاتبة إن البنّا والخميني تأثرا بجمال الدين الأفغاني بناءّ على معطيات عدة: التأسيس لـ «إسلام سياسي ثوري»: تدريجي/ ثوري لدى البنَّا؛ انقلابي/ ثوري لدى الخميني؛ ومعارضة الاستبداد الداخلي؛ والانشغال في مناهضة الغرب الاستعماري الذي يهدد عقيدة المسلمين؛ والاهتمام بالوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب (من الجامعة الإسلامية لدى الأفغاني إلى الوحدة الإسلامية لدى البنَّا والخميني)؛ والتماهي بين السياسي والديني. يشار إلى أن الكاتب السوري محمد سيد رصاص صاحب «الإخوان المسلمين وإيران: الخميني - الخامنئي» خلص إلى أن الأفغاني كان هو الجسر الأول الذي أوصل ضفّتي السنّة والشيعة إلى فكرة «إسلام عام» وصل في تأثيراته بالواسطة عبر الشيخ رشيد رضا إلى حسن البنّا وبشكل مباشر إلى الخميني، لتقوم حركة الإسلام السياسي الأصولي في شكلَيْها السني الإخواني والشيعي الخميني، على أساس تلك الفكرة كجوهر لأسسها الفكرية السياسية. تطرق الكاتب اللبناني هاني فحص التي جاءت دراسته تحت عنوان «الثائر والسلطان: جمال الدين الأفغاني وعبد الحميد الثاني» إلى محاولات الوحدة الإسلامية التي سعى إليها الأفغاني وعبد الحميد الثاني والتي انتهت إلى انكسار المشروع نفسه لأسباب عدة. يهتم فحص بالتكوين الوحدوي لدى الأفغاني والظروف التي دعته للقدوم الى الأستانة لتقديم مشروعه إلى السلطان، كما أنه يحدد القواسم الفكرية والسياسية بين الرجلين متحدثاً عن أفق الوحدة المنشودة كما نظرا اليها وعوائقها. في الختام أجرى الباحث السوداني عمر البشير الترابي قراءة لكتاب محمد سيد رصاص الذي أشرنا اليه أعلاه. قارب الكتاب ضمن مسار نقدي لينتهي إلى القول إن «الشيعة الحركيين ليسوا طائفة أخرى لحركيي السنّة حتى يدرس التقارب او التباعد بينهما، بل هم جسم واحد، يدير خلافاته الداخلية عبر آليات منظمة». جاءت ثورة 30 كـ «الصاعقة» بالنسبة لحركة الإخوان المسلمين وفروعها. صحيح أن طهران استطاعت على مدار ثلاثة عقود ونيف تجاوز منزلقات خطرة في نظامها الذي يبدو لكثيرين متماسكاً، على نقيض إسلاميي مصر الذين فشلوا في تجربتهم القصيرة، إلاّ أن إيران اليوم خسرت حليفاً سعت إلى توطيد الأواصر معه خلال وجوده في السلطة، وهي طالما اعتبرت أن الجماعة في مصر الأقرب إليها، فتطلعت لها كرافعة لسيادة الإسلام السياسي في المنطقة.