عمد الكثير من المحللين في مسعاهم إلى تسليط الضوء على أسباب أسوأ بداية لأسواق الأسهم العالمية في العام الجديد، على توظيف قواعد الاقتصادات الكبرى التقليدية في تفسير الظاهرة، ومنها تباطؤ الاقتصاد الصيني وسياسات بكين غير المجدية لإنعاشه. وقد تم تضخيم التأثر السلبي لدور تباطؤ الاقتصاد الصيني كمحرك نمو عالمي عبر اتخاذ قرارات سياسية خاطئة، بما فيها اللجوء إلى آلية تعليق التداول، وتقلص تأثير السياسة في دور أسواق الأفشور المتنامي على العملة الصينية ورداءة التنسيق معها. وكل هذه الأسباب مجتمعة لا تبرر موجات البيع العاتية التي لم تتوقف في أسواق الأسهم العالمية بما فيها الأسواق الأمريكية، رغم أن الاقتصاد الأمريكي يحقق تقدماً قوياً على صعيد الانتعاش. ويبدو أن هناك سيناريو مشابه في أسواق النفط. صحيح أن أسعار النفط تعاني فوضى العلاقة بين العرض والطلب، الأمر الذي زادت من حدته مواقف منظمة أوبك، إلا أن التحولات التي يشهدها سوق الخام ودورها في تعميق اضطراب أسواق المال العالمية يتم تضخيمها. فلماذا تتسبب حتى أبسط التحولات في المقاييس العامة في إحداث اهتزازات مرعبة في أسعار الأصول المالية صعوداً وهبوطاً؟ ولماذا تتخذ مؤشرات الأسهم العالمية هذا المنحى التراجعي دون توقف؟ الحقيقة أن أسواق المال العالمية تعيش مرحلة تحولين متتاليين لا يقتصر تأثيرهما في تضخيم تأثير التطورات البسيطة فقط في الصين وفي أسعار النفط، بل إنهما يزيدان من مخاطر الانتكاسة الشاملة ويخفيان تطورات عصية على التنبؤ. أحد هذين التحولين يتعلق بالانتقال من نظام ضبط التذبذب المالي الذي دام طويلاً إلى بيئة ترتفع فيها درجة التذبذب وصعوبة توقعه. والسبب الأساسي هو عدم رغبة البنوك المركزية في لعب دور كابح التذبذب. ومثل هذا التحول يحمل على المدى القريب مخاطر تغيير أكبر ومخاطر رفع التحوط وضعف شهية تحمل المخاطر، ويؤثر بشكل خاص في نماذج الاستثمار القائم على المخاطر وعلى مخصصات الأصول التي تعتبر التذبذب أحد أهم مواردها. أما التحول الثاني فيتعلق بالسيولة والابتعاد شيئاً فشيئاً عن الموازين الختامية غير المرتبطة بالدورة الاقتصادية. وقد تراجعت شهية الأسواق بحدة حيال أوعية الاستثمار قصيرة الأجل في مواجهة القيود المتشددة التي فرضتها هيئات التنظيم، وأصبح الوسطاء أقل رغبة في حيازة العقود عندما تحلق الأسواق. وواجهت بيوت الاستثمار الأخرى ومنها الصناديق السيادية، المزيد من العقبات أمام زيادة استثماراتها عالية درجة المخاطر. وفي غياب المعالجة بات كل من هذين التحولين يغذي الآخر ويعزز الشعور بعدم الاستقرار المالي وانعدام الأمان. وكلما طال زمن هذا الشعور كلما ازداد حجم الاضطراب، وارتفعت مخاطر انتشار الأزمة على نطاق أوسع في الأسواق المالية مغذية حلقة عدم الاستقرار المفرغة لكل من مشكلات القطاع المالي والاقتصاد على السواء. وهناك حل أفضل لو أمكن لتحسين أساسيات الاقتصاد أن توفر الدعم لأسعار الأصول المالية وتثبيتها وهو ما قد يوفر البيئة لتوظيف كميات كبيرة من النقد تم تحييدها في الوقت الراهن سواء على الموازين الختامية للشركات أو في جيوب العائلات. إلا أن أياً من هذه النتائج لن تكون حتمية. وما يحدث خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة يعتمد إلى حد بعيد على الخيارات التي تتخذ مسبقاً خاصة قرارات صناع القرار الذين ألقوا كامل العبء على البنوك المركزية ولفترة زمنية طال أمدها.