شارك من خلال تويتر فيسبوك جوجل بلس اكتب رأيك حفظ الأديب الدكتور نايف الدعيس عضو مجلس الشورى سابقا يعيش حياة مستكينة بين دفة الكتب يبحث في ثناياها قارئا وباحثا.. التقيته فجال بي إلى سنوات مضت يستنشق عبير رمضان داخل أروقة الحرم النبوي الشريف، حيث كانت ولادته على باب الرحمة، ومر بي على واقع الأندية الأدبية، ولم ينس أن يذكرني باعتراضاته في مجلس الشورى على قرار زيادة اسعار الكهرباء. • سألته بداية عن ولادته في المسجد النبوي الشريف وطبيعة الحياة في المدينة المنورة في ذلك العهد؟ - أنا من مواليد المسجد النبوي الشريف، فقد كان منزلنا عند باب الرحمة الآن، وكان في داخل المسجد النبوي الشريف الحالي حيث ذهب مع التوسعة الأولى وولدت كأي طفل مديني في تلك الأيام على حياة تحفها العلاقة الاجتماعية البسيطة التي تحرص على الألفة والمحبة الاجتماعية التي نفتقدها الآن، ودرست في كتاتيب المسجد النبوي حيث يحرص الأهالي في تلك الآونة عليها، أما الميسورون فيسجلون أولادهم في مدرسة ابتدائية واحدة وهي المدرسة السعودية، وكانت داخل المسجد النبوي الآن بجوار بئر «حاء»، وكانت البئر داخل المسجد النبوي الشريف، وأذكر أنني رفعت برقية للملك فهد رحمه الله أن يثبتوا موقع البئر وأن تسور وبالفعل تم ذلك حيث وضعوا لوحة عليها، ولكنها ذهبت فيما بعد مع التوسعة. • كيف كانت الدراسة في المسجد النبوي عبر الكتاتيب؟ - كانت الكتاتيب في كل زاوية من المسجد النبوي يدرس فيها القرآن والقراءة والحساب، وكان هناك مشايخ في المسجد النبوي أشهرهم عبدالحميد هيكل، وقد درست على يده وهو من مصر الشقيقة، وطه السناري، وأظنه من أصل سوداني، وهناك ابن تركي وهو من القصيم وهو عالم زاهد مشهور في المدينة المنورة، وكان درسه عند خوخة الصديقة، وهو محبوب لدى أهالي المدينة لزهده وورعه وعلمه وله قصص مشهوره مع الملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعا. • من كان يؤم المصلين في تلك الأيام؟ - أنا أدركت الشيخ عبدالعزيز بن صالح ونائب عبدالمجيد الجبرتي ولكن عندما كنا صغارا جدا كان الشيخ الزغيبي والخربوش. • وكيف كانت صلاة العشاء والتراويح في المسجد النبوي؟ - كان يؤم المصلين في التراويح الشيخ ابن صالح والشيخ الجبرتي، وكنت أذكر أن الصفوف لا تتجاوز الخمسة صفوف، وإن زادت سبعة، وفي التهجد لا تزيد عن صف أو صفين. • كيف كانت الحياة الاجتماعية في رمضان في تلك الأيام؟ - طبعا كان الناس يتناولون إفطارهم في المسجد النبوي الشريف، وكان نادرا من يتخلف عن ذلك، وكان لكل أسرة مدينية وخاصة الأسر المشهور سفرة رمضانية خاصة بها. • من أشهر تلك العوائل في تلك الأيام؟ - كثير.. ولعل الذاكرة تسعفني وأعتذر لمن لا أذكره ولكني أذكر عائلة بيت مدني الذين منهم نزار عبيد مدني وإياد مدني، وبيت القمقمجي وبيت مرشد، وكان الإفطار عبارة عن لبن رائب وزبادي وتمر وسمبوسة. وأذكر أننا كنا نأخذ من المنزل طعام 15 شخصا من أجل أن يشاركنا المصلون على السفرة الخاصة بنا. • وكيف كان نظام السقاية في المسجد النبوي في تلك الأيام؟ - المدينة كانت تسقى من العين الزرقاء على نظام يسمى المناهل والدبول، والتي تصل إلى المسجد النبوي عبر هذا النظام، ثم توضع المياه في دوارق وكانت تبخر «ولا أنسى طعمها إلى الآن» فقد كان طعم الماء رائعا ولا ينسى. والمدينة كانت تزود من المياه كما قلت لك من «العين الزرقاء» الموجودة في قباء وكان لها 10 خرزات «عيون» تزود المدينة بها من المياه وكانت هذه «الخرزات» موجودة في باب السلام، وحي الأغوات، وعدد من الأحياء الأخرى. وكان السقاة يعبون هذه المياه في أزيار ودوارق وتباع المياه بالأجرة في المسجد النبوي أو غيره. والشيء الذي أذكره أنه من العيب جدا لدى الأهالي في تلك الأيام أن يشتروا طعام إفطارهم من السوق، فالأكل تعده ربة المنزل التي كان تعتز بذلك، في تلك الأيام رغم قساوتها، حيث لا وجود للبتوجازات مثل الآن، بل كان الطبخ على الفحم، وكانت «ست البيت» تتعب تعبا شديدا لأن إعداد الطعام يبدأ من الصباح حتى العصر. وكانت تعد كل وسائل الراحة لزوجها على رغم قلة الإمكانيات، فهي ترش البيت بالماء حتى يبرد خاصة في وقت الصيف، وتهيئ الجلسة لزوجها إذا جاء من عمله أو من دكانه متعبا، وتحرص على أن يقضي وقته في منزله بكل راحة واطمئنان، فهي «ست» بحق وحقيق. • كيف كانت الحياة الاجتماعية في المدينة في تلك الأيام؟ - تنهد الدكتور نايف وقال: ما أجملها، كانت حياة بسيطة ولكن رائعة، كانت العائلات تسكن في بيت واحد وأكلنا واحد، والترابط الاجتماعي أقوى من الآن، والمحبة والتآلف والتواصل عنوان لهذه الحياة الجميلة. • كيف كان التعليم في المدينة المنورة في تلك الآونة؟ - دعني أولا أقول لك إن الآباء في تلك الأيام يأتون لأمكنة التعليم ويقولون قولتهم المشهور «لك اللحم ولنا العظم» وقس على ذلك، فقد كانت التربية أولا ثم التعليم، وأنا أسف الآن لأن التعليم أصبح لا يهتم بالتربية، فالتربية هي الأساس، ولابد لوزارة التعليم أن تحرص الآن على التربية ثم التعليم وليس فقط تطوير المناهج وانتهينا، لذلك ترى الفرق الكبير بين طالب الأمس الذي تربى ثم التعلم وبين طالب اليوم الذي للأسف تنقصه التربية، ولا نرى إلا تعليما فقط الآن. • كيف كانت جلسات رمضان في ذلك الزمان؟ - جلسات رمضان قديما كانت شبابية، فالشباب هم الذين «يسمرون» فقط وكانت على قصص «الزير سالم» وقصص «عنترة بن شداد»، بينما كبار السن يصلون التراويح ثم ينامون، وكان في تلك الأيام من يتعشى وينام ثم يصحو قبل الفجر ويتسحر والبعض الآخر ينام ثم يتسحر قبل الفجر. • هل كان هناك مجالس أدبية في المدينة في ذلك الزمن؟ - نعم كان هناك مجلس عبدالحميد عباس في قباء وأذكر كان يؤمه علي مرشد والدكتور عمر فلاتة وأحمد جمل الليل. • ومن أشهر الأدباء في تلك الأيام؟ - كان من أشهر أدباء المدينة هم عبدالعزيز الربيع وهاشم رشيد وعبيد مدني وحسن صيرفي رحمة الله عليهم. • كيف كان النشاط الأدبي في تلك الأيام؟ - أنا أراه أفضل من الآن لأنه كان بمجهود شخصي، حتى جاءت الأندية الأدبية وكونها كانت تحت رعاية وزارة الإعلام خنقت تلك الأندية وأصبحت تحفها البيروقراطية والروتين. • لك قصة مشهورة وخلاف مع النادي الأدبي.. هل تذكرها لنا؟ - أبدا.. كان هناك تعارض ما بين أنشطة النادي الأدبي ويوم المجلس الخاص، بي حيث رغبوا في أن ألغي موعد الجلسة الخاصة بي التي كانت تقام كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع لأنهم يقولون إنها تتعارض وهم مرتبطون ببرامج رعاية الشباب معهم وأنا حقيقة أصريت على عدم التغيير حتى تدخل الدكتور محمد الرويثي وحسن صيرفي وحلوا الإشكال بيني وبينهم وغيرت الموعد إلى يوم السبت ليلة الأحد. • ما أشهر الأسواق في تلك الأيام؟ - كانت هناك أسواق مشهورة في المدينة المنورة، منها سوق باب المصري والعينية والحبابة وكان من أشهر التجار في ذلك الوقت ناصر عامر الرميح. • نعود لدراستك يا دكتور.. أين درست المتوسطة؟ - درست في متوسطة أبي بكر الصديق، وكانت تقع في حي الجناين وكان مديرها أمين ملا، ثم محمد عبدالله، وكانت المتوسطة الوحيدة في المدينة ثم درست في ثانوية طيبة وأيضا هي الوحيدة في المدينة المنورة وكان مديرها أحمد بوشناق وقبله كان مديرها محمد سعيد دفتردار. بعد ذلك انتقلت للدراسة في جامعة أم القرى في مكة إلا أن والدتي رفضت أن أكمل الدراسة، رغم أن والدي كان معي في إكمال الدراسة، إلا أنني كسبا لرضا والدتي عدت إلى المدينة دون أن أكمل الدراسة. ثم طلب مني الشيخ محمد المختار أن أكمل دراستي في الجامعة الإسلامية وكانت وليدة في تلك الأيام فالتحقت بها. • يقال إنك التحقت بالجامعة الإسلامية على الرغم من أن هناك الكثير من شباب المدينة لا يرغبون في الدراسة فيها ولا يوجد بينهم وبين الجامعة ود كما يقال؟ - كثير من الشباب في تلك الأيام يرى أن التشدد والتحجر سمة الجامعة، إضافة إلى أنها أشتهرت بأنها تركز على طلبة العالم الإسلامي وكانت نسبة السعوديين 15 في المائة فقط، وهذا أيضا سبب من عدم الإقبال على الدراسة بها، إلا أني التحقت بها خاصة أن الشيخ المختار أقنع والدي، أيضا كانت تعطي مكأفاة قدرها 200 ريال للطالب. وأنا حقيقة ضد المسميات، فكل الجامعات إسلامية، وضد أن يسمى أيضا الأدب العربي أو الأدب الإسلامي، فالأدب أدب. وأنا حقيقة في هذا المقام أحيي الدكتور محمد العقلا الذي أخرج الجامعة الإسلامية من عزلتها والجمود والتقوقع إلى حيز الحياة، فهو رجل نشيط وأنا من المؤيدين لتدريس الطب والعلوم والهندسة بالجامعة الإسلامية. • كيف كانت الجامعة الإسلامية عندما درست فيها؟ ومن مديرها؟ - كانت عبارة عن كليتين فقط، هما كلية الشريعة وكلية الدعوة، ومديرها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، والآن انظر كيف أصبحت ما شاء الله. وقد ابتعثتني الجامعة للدراسة في مصر في مجال اللغة العربية، وعند وصولي إلى مصر وجدت أن باب الدراسة في اللغة العربية قد أغلق، فرجعت للمدينة، فقال نائب مدير الجامعة الشيخ عبدالمحسن العباد «سوف نعينك مدرسا في الجامعة» وعينت مدرسا في المعهد الثانوي حيث استمريت سنة ونصف السنة، ثم اخترت للدراسة العليا وكنا 16 طالبا وكنت متفوقا، ثم عينت في كلية الشريعة من قبل الشيخ ابن باز بعدما أرسل المشرف علي تقريرا لفضيلته عني فأعجب بي. بعد ذلك تحدث معي الدكتور عبدالله نصيف مدير جامعة الملك عبدالعزيز ورغب في أن أنتقل للتدريس في جامعة الملك عبدالعزيز فاشترطت أن يوافق مدير الجامعة الإسلامية الدكتور عبدالله الزايد، وأن لا أدرس إلا في فرع الجامعة الذي كان موجودا في حي النصر في ذلك الوقت، وكان عمره سنتين، وبالفعل انتقلت لفرع جامعة الملك عبدالعزيز، وكنت لا أحبذ الأعمال الإدارية، وكنت أدرس بالنظام المكثف وكان عدد الطلاب آنذاك 300 طالب، بعدها تدرجت إلى أن أصبحت وكيلا لكلية التربية ثم عينت عميدا بالإنابه حتى استقلت. • حدثنا عن الحياة العلمية في ذلك الزمن؟ - أنا أرى أنها كانت أفضل من الآن، كان مستوى الطالب يوازي أستاذه الآن، وكنت أنا وغيري من الطلاب لا ندخل محاضرة إلا بعد قراءة المراجع، فأنا أقرأ تسعة مراجع قبل أن أدخل المحاضرة. • كيف ترى مستوى الطالب الآن؟ - مستوى الطالب الأن أنا لست راضيا عنه فمستوى الطالب الآن متردٍ ومواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر – الفيس بوك» أضاعت وقتهم، ولا بأس من الاستفادة من الإنترنت ولكن لا يقتصر الطالب على هذه الوسائل، فكتب العلم فيها الشيء الكثير والقراءة مهمة جدا لكل طالب علم. • بعد الاستقالة أين ذهبت؟ - اخترت عضوا في مجلس الشورى عام 1418هـ في دورته الثانية واستطعنا الانتصار فيها هي زيادة اسعار الكهرباء حيث اوقفناها أكثر من مرة. بعد ذلك قمنا أنا وعدد من فضلاء المدينة بإنشاء مجلس أهالي المدينة وكان برئاستي وعضوية كل من الدكتور محمد العوفي أمين مجمع الملك فهد، ورجل الأعمال المعروف نغيمش الأحمدي، ومن أهم القضايا التي بحثناها إنشاء مطار دولي للمدينة المنورة، وإنشاء جامعة طيبة ولله الحمد كل هذا رأى النور وكنا نعرض ذلك على أمير المدينة آنذاك الأمير عبدالعزيز بن ماجد. • حدثنا عن أهم المواقف التي مرت بك في حياتك؟ - قال ضاحكا: الموقف الذي أذكره إلى الآن عندما كنا نؤجر الحجاج أحد منازلنا وكان الإيجار بـ250 ريالا طوال بقائهم في المدينة، فرأيت بعض شباب المدينة يتشطر في إيجار منازلهم للحجاج ورفعوا الإيجار إلى ألف ريال و800 ريال فجاء حجاج ليبيون واتفقت معهم على أن يكون الإيجار 800 ريال ففرحت وظننت أن والدي سيفرح أيضا إلا أنه صعق وغضب، وذهب بي إلى الحجاج ليتأكد بنفسه وأكدوا له ذلك إلا أنه ناولني «كفا» قويا على أذني أمامهم سالت الدماء من أذني من قوة الضربة، وقال لهم «إن ولدي هذا عمل عملا لا أرضاه وهو قد سرقكم فالإيجار هو 250 وليس 800» وقالوا له «ولكن كل شيء تم برضانا ولم يسرقنا» ولكنه لم يقتنع وأرجع بقية المبلغ لهم وهذا يدل على أن «ناس أول يهمهم خدمة الحجاج بأقل التكاليف طلبا للأجر من الله». وهناك موقف أذكره مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد حفظه الله يتعلق برغبتي في كتابة تاريخ الملك عبدالعزيز، وتشرفت بمقابلة الأمير سلطان في إحدى زياراته للمدينة، وأبديت رغبتي في ذلك فقال لي «إن الأمير سلمان يفيد في ذلك» ثم اتصلت على مكتبه وقال لي مدير مكتبه إنه ليس على مكتبه إلا أني وبعد خمس دقائق من اتصالي تشرفت بالاتصال من سموه الكريم وتحدثت معه عن هذا الموضوع وهذا الموقف يوضح مدى تواضع قيادتنا حفظهم الله وحرصهم، وحقيقة لسمو الأمير سلمان مواقف عظيمة نفخر بها جميعا. • الآن كيف يقضي الدكتور نايف الدعيس أوقاته، بعد هذا المشوار الطويل مع الحياة وتجاربها؟ - الآن ولله الحمد أقضي وقتي بين مزرعتي والصلاة في المسجد النبوي والبحث العلمي، وفي الختام أتمنى للجميع ولبلادنا وقادتها كل توفيق وأن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.