تعرّض العراق خلال السبعين سنة الماضية لشتى أنواع المؤامرات الداخلية والخارجية، فمنذ قيام إسرائيل والعراق على قائمة الدول العربية التي يجب إضعافها، بل وحتى تقسيمها، فقد كان العراق في النصف الأول من القرن العشرين من أغنى الدول وأكثرها قدرة على النهوض والتقدم، وقد كان في عهد النظام الملكي واحة حب وتآلف للجميع، ليس للمسلمين واختلاف مذاهبهم فقط، لكن للأديان الأخرى أيضا، فقد كان في العراق على سبيل المثال حوالي مئة وعشرين ألف يهودي من ألمع التجار والعلماء والأدباء والمحامين، لكن إسرائيل التي تكونت حديثاً وبحاجة ماسة إلى المهاجرين وكعادتها أوكلت مهمة تهجيرهم إلى مسلمين متطرفين قاموا بتفجير منشآتهم وأنديتهم وبتخطيط من منظمات صهيونية يتزعمها مناحيم بيغن وغيره، ما جعلهم يتخلون عن الجنسية العراقية في عام 1950 ويذهبون إلى فلسطين ومعهم أموالهم وخبراتهم ليصبحوا أفضل المهاجرين والداعمين للعدو المحتل، ولم تتوقف المؤامرات التي يخطط لها وتنفذ بأيدي أبناء البلد وأسوأها الانقلابات العسكرية التي اتخذت من الدكتاتورية والبطش سلاحاً للقضاء على المعارضين، ومن أسوأ ما أصاب العراق قيام الثورة الدينية الخمينية بجواره وإصرارها على تصدير الثورة لتصبح العراق وجهتها الأولى، ثم قيام صدام حسين بحرب معها امتدت ثماني سنوات قضت خلالها على أهم مقدرات العراق البشرية والمالية، ولتنهي حرب تحرير الكويت، ثم الغزو الأميركي للعراق ما تبقى من قدراته وكل مقومات القوة عنده. العراق هو بوابة الوطن العربي على إيران، وهو الجبهة التي تنطلق منها إيران إلى سورية ولبنان، ولذا لا بد من مساندة العراق عربياً وتسليط الضوء إعلامياً على عروبته وإبراز دور المعتدلين من أبنائه سنة وشيعة، على أن أخطر ما واجه العراق بعد الغزو هو دستوره الطائفي وقادته الطائفيون الذين سلم المحتل لهم القيادة، ما جعل البلد مقسماً بين سنة وشيعة وعرب وأكراد، لتجد إيران ضالتها فتدخلت في كل كبيرة وصغيرة في الشأن الداخلي للعراق فعلا صوت الطائفية والمذهبية على الوطنية، ووظفت آلتها الإعلامية لتعزيز دور المرجعيات الشيعية التابعة لها، وتوهم الفرد العراقي الشيعي البسيط أنها جاءت لتحميه وتعيد له عزته ونفوذه وحريته، أما الأكراد وهم لا يقلون خطراً على وحدة العراق من إيران فقد سعوا لتأسيس دولتهم الخاصة بهم وإحياء حلم الدولة الكردية. واليوم بدأ العراق يعي حجم المؤامرة التي حيكت ضده بكل دهاء، لقد وعى أنه لا خلاص له إلا بالعودة إلى محيطه العربي، وقد رأينا ذلك في مفاجأة تصويت العراق مع بقية الدول العربية في استنكار مهاجمة السفارة السعودية في طهران وهو إجماع عربي لم تشذ عنه سوى لبنان المغلوبة على أمرها، وهذا التوجه العربي من العراق بحاجة إلى دعم وتشجيع من دول مجلس التعاون بشكل خاص والدول العربية بشكل عام ومن ذلك ما يأتي: أولاً. الاقتصاد هو العامل الأهم في توجه العراق واستقراره، ومع نزول أسعار البترول إلى هذا المستوى واستمرارها قد لا تتمكن الحكومة العراقية من دفع مرتبات الملايين ممن وظفتهم حكومة رئيس الوزراء السابق المالكي على أسس طائفية، ما يعني التخلص من هذه الأعداد والعودة إلى التنمية المستدامة، وهنا لا بد أن يبحث العراق عمن يساعده، فهل يستمر مع إيران أم يتوجه إلى الدول العربية القادرة على مساعدته ومنها دول مجلس التعاون؟ وهنا يجب أن يبنى التعاون على أساس الربح لكل طرف حتى يستمر التعاون، ومنه التعاون السياحي بحيث تشجع السياحة الدينية إلى النجف في العراق بدلاً من مشهد في إيران، وقد أحسنت المملكة بفتح سفارة لها في بغداد، ولعل بقية دول مجلس التعاون تحذو حذوها لتركز على الجوانب الاقتصادية والثقافية التي يستفيد منها الإنسان العراقي. ثانياً. الجانب الثقافي لا يقل أهمية عن الجانب الاقتصادي، فقبل الثورة الإيرانية لم يكن في العراق فرق بين السني والشيعي، بل كانت المصاهرة والمجاورة والزمالة، ولا أدل على ذلك من وقوف كل أبناء الشعب العراقي في وجه الجيش الإيراني خلال سنوات الحرب العراقية - الإيرانية، فقد كان في كل بيت شيعي شهيد أو معاق، ويعرف ذلك من الأعلام السوداء التي كانت تعلق في مقدمة البيوت، ولهذا لا بد من تكثيف التعاون مع المراجع الشيعية العربية المعتدلة من أمثال آية الله السيستاني وجعلها بديلاً عن المراجع الفارسية وتكثيف الإعلام العربي بكل قنواته لإبراز دور المعتدلين من الطرفين (الشيعي والسني) ليس في العراق وحده، بل وفي كل دول مجلس التعاون، فلا شيء يغيظ إيران وغيرها من متطرفي السنة والشيعة كالصوت المعتدل المتسامح من كلا الطرفين، ولا شيء يفرحهم كصوت الطائفي الحاقد الذي يوغر الصدور وينمي الحقد لتتلقفه مواقع التواصل والمحطات الإعلامية الطائفية المؤثرة وتنشره بكل الوسائل الممكنة. ثالثاً. الجانب التعليمي والتربوي من أهم عوامل استقرار الدول وتفويت الفرصة على الطائفيين المتربصين بأمن الوطن واستقراره، والعراق وبقية الدول العربية بحاجة إلى تعليم يؤصل للتسامح والتعاون والتآخي من منطلق ديني وقومي، لهذا يجب أن تنقح المناهج في كل الدول العربية من كل ما يدعو للفرقة والتناحر، وإلا ستظل هذه المنطقة في حروب دامية لسنوات طويلة على غرار ما عانته أوروبا على مدى ثلاثة قرون من الزمن. العراق هو بوابة الوطن العربي على إيران، وهو الجبهة التي تنطلق منها إيران إلى سورية ولبنان، ولذا لا بد من مساندة العراق عربياً وتسليط الضوء إعلامياً على عروبته وإبراز دور المعتدلين من أبنائه سنة وشيعة، عربا وأكرادا ليكون المنطلق حكومة مدنية تؤمن بالتعدد وتحارب المذهبية والطائفية وتعود إلى محيطها العربي. abdullah.sadoun@gmail.com