بقلم : سارة مطر اللحظة التي لا أرحب بها، حينما يُطلب مني في العمل إمضاء بعض الوقت مع موظف جديد؛ لتعريفه بأسس نظام العمل الذي أقوم به، فأول سؤال يطرأ في ذهني وأسأله فورا إذا ما كان الموظف من المبتعثين أو من خريجي المملكة؟ والسبب أنني وجدت تشابها كبيرا بين معظم الموظفين الجدد المبتعثين، الحلطمة الدائمة عن الأوضاع التي مروا بها، ابتداء من صعوبة أو تعثر قبولهم في البعثة، والمشاكل التي واجهوها أثناء دراستهم، وبعد ذلك عودتهم للوطن، وبحثهم عن وظيفة لائقة. البعض يعتقد أن الوظيفة لا بد أن تقدم لهُ على طبق من ذهب، فقط لأنه مُبتعث؛ ولأنه تغرب خارج حدود وطنه؛ ولأنه عاد وهو يتحدث الإنجليزية؛ ولأنه عانى الأمرين سواء من عدم كفايته من راتب البعثة المقدم لهُ، أو معاناته في السكن والحياة المختلفة عن وطنه بكل أبعادها. وأنا في الحقيقة بدأت أشعر بالملل من تشابه القصص والحكايات التي يخبرني بها المبتعثون، ولا أجد أني على استعداد كي أقدّم مواساتي من عدم رضاهم عن الوظيفة التي التحقوا بها. لم أجلس مع موظف جديد ومبتعث سابق، إلا وتحدث معي بحزن وأسى بأن الوظيفة التي قبل الالتحاق بها، لا تتناسب مع طموحه الكبير، فهو حاصل بجدارة على درجة ماجستير، وأنه تعب جدا حتى استطاع أن يحقق هذا النجاح، وكأن الموظفين الآخرين لم يعيشوا ذات التجربة وذات النجاح، في الغالب أرد على محدثي ببساطة: ها أنذا أمامك ولدّي شهادتان في البكالوريوس، وهل يعني أن عليّ أن أعيش في مرارة طويلة لأني أستحق ما هو أفضل! يعيش الطالب المبتعث في وهم كبير، ويظل يعيش هذا الوهم حتى يرضخ في نهاية الأمر للواقع، وبعضهم يظل في ضغوط نفسية كبيرة لأكثر من عام، والغريب أن هذا الوهم ناتج عن أنه يشعر بداخله أنه يستحق نتيجة تعبه وغربته أن يتولى أكثر المناصب تأثيرا في أهم الشركات، مثل زميلتي التي جاءت بشهادة ماجستير في التعليم، وظلت تلوم الجامعات التي قدّمت للعمل بها في المملكة، ولم توافق على قبولها فكانت تقول بأنفة: أنا.. ماجستير في التعليم ولا تقبلني ولا جامعة؟ مشكلة المُبتعثين هي في الأنفة وعزة النفس، اللتين تضيعان عليهم فرصة فهم أن الموظف الناجح يمكن لهُ أن يبدأ وظيفته الجديدة من الصفر، حتى ينطلق بعد ذلك إلى أعلى المناصب، ولنا في الدكتور غازي القصيبي مثل أعلى، حينما عين في الجامعة كمعيد، ولم يكن يملك مكتبا فاتخذ من مكتبة الجامعة ملاذا له دون أي شعور بالخزي أو العار، في زمن كانت شهادة الماجستير التي يحملها القصيبي، تعدّ بوابة للصعود إلى القمة. يشتري بعض المبتعثين ملابس باهظة الثمن، ويسافرون كل ويكند إلى ولاية مختلفة، وحتى تتأكد من ذلك فكل ما عليك أن تبحر في انستغرام أي مبتعث، لتتطلع على الحفلات والرحلات الأسبوعية التي يقومون بها، وبعد ذلك يندبون حظهم لأن الحكومة لا تصرف راتبا كبيرا كما هي بقية دول الخليج، ويعود إلى وطنه نادما على انتهاء البعثة التي وفرت له حياة مختلفة، ويتمنن على وطنه بكل شيء، حتى إذا ربط حزام الأمان في سيارته، أو وضع بقايا الأكل في مكانه الصحيح، يشعر أن ما يقوم به تجاه وطنه ما هو إلا تفضل منه. لذا، يزعجني أي حوار يمكن أن يحدث بيني وبين أي مُبتعث، لا أحب إنكار جميل هذا الوطن، وإن قصّر أحيانا في حقنا، لا أحب أن يكون وطني دائما آخر أحلامنا وآمالنا، وأن يكون هو السبب في كل ما نمر به، حتى إذا ما أصبنا بأعراض زكام، شتمنا الوطن وقذفناه بكل التهم والتقصير. في ذات الوقت، وأنا أقولها فخورة جدا، أُسعد جدا بأي موظف من خريجي جامعاتنا المحلية، برغم سوء المنهج التعليمي الذي يقدّم للطلبة، وطريقة التدريس القديمة جدا، وربما هذا ما دفعني لإعادة دراسة البكالوريوس والحصول على أخرى من جامعة البحرين، فقد كنت أبحث عن إشباع علمي لا عن شهادة تضمن لي وظيفة، يأتي الموظف غير المبتعث في أول أيامه الوظيفية للعمل بَهِيّا فرحا، تتقافز السعادة بين عينيه، سعيدا لحصوله على الوظيفة، طموحا لأن يحقق ما هو أفضل، ممتنا للشركة ولدعوات والديه، أشعر بالبهجة الحقيقة وأنا أجد الموظف المحلي يخبرني بأن ما حصل له هو جزء من خططه المستقبلية، وأنه فخور بهذا الإنجاز الكبير. بالتأكيد ثمة فوارق بين خريجي جامعاتنا والمبتعثين، أهمها أن الأخير فقط يتقن الإنجليزية ويلبس قميص بولو. نقلا عن الوطن