يوم الأربعاء الماضي كان يوما مختلفا أعادني لأيام الدراسة في الثانوية العامة. ففي ذلك اليوم كنت بجامعة الملك سعود للتحضير لعدد صحيفة"رسالة الجامعة" والذي سيصدر هذا الأسبوع بعد عودة الطلاب لبداية الفصل الثاني. وسبب اختلاف ذلك اليوم أن كلية الآداب تنبض بحيوية طلاب صغار في يوم إجازه. طلاب ينتقلون من مكان لآخر وكل واحد منهم يرتدي شالا يحمل شعار "عيش السعودية" وباللون الأخضر الوطني الجميل. كان لوجود حوالي 40 طالبا من محافظة الأحساء وقع جميل في نفسي. فقد شددت الرحال يوما ما عندما كنت طالبا اريد أن أعيش السعودية بتجربة ذاتية، وكانت الوجهة للأحساء. فلم يكن هناك فنادق ميسرة للطلاب وبلغ بنا التعب عند مكتب عقار فأشار علينا احد الجالسين إلى أن هناك بيتا يؤجر للمدرسين العزاب من الوافدين، ويمكنهم السماح لكم بالبقاء في بعض غرفه. كانت تجربة جميلة ومتعبة، ولكنها لم ولن تمحى من الذاكرة لما لمسته من طيبة أهل المنطقة وجمالها. واليوم هناك برنامج وطني يتيح للطلاب معرفة بلادهم والالتقاء بأهلها في رحلات وبرامج متنوعة. لخص الأمير سلطان بن سلمان هذا البرنامج بكلمات تجعلنا نقف احتراما لجهوده الوطنية ولهيئة السياحة التي تقوم بهذا البرنامج الوطني الرائع. يقول الأمير سلطان: «عيش السعودية» مبادرة وطنية مهمة تستهدف إعادة الوطن إلى قلب المواطن، من خلال المعايشة وجعل النشء يجول في مناطق المملكة والمواقع التي انطلقت منها الوحدة الوطنية، ليتعرف على تراث وطنه ومعالمه التاريخية والحضارية والسياحية، وليتعايش مع هذه المواقع ويتفاعل معها لا أن يقرأ عنها في الكتب فقط، وهذا البرنامج يصب في توجهات الدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين يحفظهما الله، في أهمية أن يعرف المواطن وطنه ويتعرف على تاريخه وملحمة تأسيسه ووحدته. كما أن هذا البرنامج يعد أحد عناصر مشروع الملك عبدالله للعناية بالتراث الحضاري للمملكة الذي أقره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ويشمل عددا من المشروعات والبرامج والمسارات الهادفة إلى التعريف بتراثنا الوطني وحمايته وتطويره. لم يعد هذا البرنامج حلما على ورق، وإنما هو واقع ملموس وبشراكات وطنية من بقية مؤسسات الدولة والشركات الوطنية الحكومية خاصة مثل أرامكو والخطوط السعودية والوزارات مثل التعليم والثقافة والإعلام والداخلية وإمارات المناطق ودارة الملك عبدالعزيز. والملفت للنظر أن هيئة السياحة قد فتحت أوسع الأبواب للمشاركة في إنجاح البرنامج بالتبرعات وغيرها ولكن لم أجد في موقع الهيئة الكثير من تلك الاستجابات للرعاية. ولو علمت تلك الشركات أن رحلات الشباب أصبحت جزءا من صناعة سياحية دولية تقدرها عالميا منظمة السياحة العالمية بصناعة ال (194) بليون دولار ويتوقع أن تصل إلى 300 بليون دولار خلال عقدين ونيف، وهي سياحة أصبحت تتفن فيها الدول لجذب الشباب حتى من خارج سكان محيطها الإقليمي. فهناك سياحة الشباب لدراسة اللغة وللمشاركة في العمل التطوعي وسياحة المخيمات الصيفية ورحلات السفاري والرحلات المدرسية. بل وحتى مدن الترفيه العالمية مثل ديزني وغيرها باتت تستقطب الكثير من تلك الرحلات المجدولة. ويتبع هذا الرحلات الشبابية صناعات مساندة من بيوت الشباب والنزل الفندقية والتأمين وخدمات النقل وتنفيذ البرامج وغيرها مثل الهدايا الوطنية. هذا على المستوى العالمي، فما عسانا نفعل وشبابنا للمتابع السياحي يمكنه أن يكتشف سهولة استقطابهم في رحلات خارجية بدون عناء وسيكونون هدفا سهلا إن لم نعمل على توجيه رحلاتهم للداخل اولا. فمعرفة الوطن أولى من اكتشاف جغرافية العالم. وبرنامج "عيش السعودية" يمثل "ماركة" وطنية نفخر بها، ويجب استثمارها بشكل يحقق معادلة النجاح المزدوج للوطن وشبابه وللشركات الراعية والمساهمة في تقديم الخدمات، وبالتالي تستحق عن جدارة أن تحمل كل شركة تساهم في البرنامج نيشان الشريك للبرنامج، وتستفيد من خدمات الهيئة والشركاء الآخرين إعلاميا وإعلانيا وخدميا. أعتقد أن هذا البرنامج سيحقق النجاح الذي يستحقه لو تم تخصيص فريق لإدارة المشروع بعقلية القطاع الخاص ولكن تحت عين ومتابعة هيئة السياحة. فمن يعرف الأمير سلطان بن سلمان عن قرب يعرف حرصه ومتابعته الدقيقة والشخصية حتى تنجح المشروعات التي يشرف عليها. ولعلنا لا نبالغ عندما نرى جهوده الواضحة في هيئة السياحة والتي تجعلنا نفخر بما وصلنا اليه ولكننا نطمح للأكثر. فشبابنا يستحق منا أن يعيش الوطن بشكل جديد ومميز. ويبقى السؤال ماذا عن الفتاة السعودية التي أرى أهميتها اكثر من الشاب في أن تعيش وطنها وتتمتع برحلات وفق خصوصية الثقافة بقيمها وعاداتها وتقاليدها. ولعل من يقرأ كتابات الزميلة الدكتورة هتون الفاسي على صفحات هذه الجريدة يدرك جمال ومتعة ادب الرحلات ووصفها لتجاربها من زاوية "عيش السعودية" وإن كانت خارج البرنامج. خلاصة القول إننا شعب تستهوينا كتابات أدب الرحلات التي خطتها أقلام الرعيل الأول من ادباء الوطن، وفي رحلات جيلنا الجديد تسجيل جديد لأدب رحلات تتناسب مع حياتهم عبر السناب تشات،، والأنستقرام وبقية العائلة من البرامج التفاعلية الرقمية؛ فالتجارب دوما هي علم مستفاد. Draltayash@Alriyadh.net