يكاد يكون مستحيلاً أن تمر عليك لحظة الحوار مع الروائية اللبنانية هدى بركات مرور الكرام، من دون أن تترك في داخلك صدى، أو تفجر هالة من أسئلة وإجابات لا تنتهي. مع الأدب تتعامل بإحساس عميق، يؤجج في داخلها مشاعر وانفعالات قلقة تارة، وغاضبة تارة أخرى، وبين القلق والغضب تلمع في عينيها شرارة طموح، تعانق الأمل بغد أفضل. لحظة الكتابة هي لحظة الحرية المطلقة الوحيدة لديها، وأمام الرقابة لا ينكسر قلمها، فالواقع المتفجر سبق أخطار الكتابة، ليعلن الإبداع نفسه متمرداً على كل الشروط. البيان تواصلت مع هدى بركات، التي رُشحت روايتها ملكوت هذه الأرض للجائزة العالمية للرواية العربية بوكر، لتمسك العصا للرقابة على الإبداع، وعن سبب ذلك قالت: أخطر ما في الرقابة تسللها إلى داخل الكاتب، واستيطانها إرادته ووعيه، بحيث تصبح داخلية بشكل آلي، وما تفعله الرقابة الآن هو عكس ما تهدف إليه. واقع متفجر ذكرت بركات أن الواقع المتفجر سبق أخطار الكتابة، ولم يعد هناك ما يمكن أن تخاف الرقابة منه، وقالت: نحن كوننا كتاباً عرباً، وبحسب قراءاتي واطلاعي، مازلنا أكثر جُبناً من أن تهتم بنا الرقابة، فالمنع بالقهر لا ينفع في شيء، والإنترنت طوى هذه الصفحة. وعن تقييمها لمستوى الإبداع الأدبي اليوم في ظل انتشار روايات جديدة لا تمتاز بالجودة، قالت: ما يثير حزني بل غضبي، هو المستوى المتدني الذي وصلنا إليه في اللغة العربية، كتاباً ودور نشر، إنها فضيحة ومأساة، ولا أدري كيف نعالج هذه المصيبة. وأضافت: الأدب العربي واللغة العربية يستحقان مكانة لائقة بين آداب العالم، ولكن هناك هرولة للنشر لا أفهم سببها، كميات من الكتب تُنشر وتُطبع، وقيل لي إن كتاباً يدفعون كلفة النشر والتوزيع من جيوبهم، ومعظمنا لا يقبل بعمل دور النشر في التصحيح والمراجعة الشاملة وتوضيب النص، ولكنه- في المقابل- يقبل بكل التصحيحات، التي تفرضها ترجمة نصه إلى لغة أجنبية، عجباً! نهضة وتطرقت بركات للحديث عن الأدب الإماراتي، فقالت: هناك نهضة مفرحة في الأدب الإماراتي. ولفتت هدى بركات إلى أن لحظة الكتابة هي لحظة الحرية المطلقة الوحيدة، وقالت: في الكتابة الأدبية، كما في الفن عموماً، السياسة ليست هي الحدث السياسي، وإلا لمات الكتاب بعد انتهاء الحدث. وأضافت: لا شرط على الإبداع، فلا السياسة ولا الحياد يصنعان نصاً عظيماً، وعلى الأديب أن يختار الموقف الذي يريد، بشرط أن تكون كتابته جيدة ومشغولة بثقافة كبيرة. تقدير وعما إذا حصل المبدع العربي على حقه من التقدير، قالت: حين يبحث المبدع عن التقدير - وأحياناً نبحث نحن العرب بشكل مضن - يخسر ما ينبغي أن يكون عليه التقدير، أي تلك العلاقة بينه وبين نفسه الكاتبة. وأضافت: ما يجري للكتاب العرب اليوم، أو لكثيرين منهم، هو البحث عن تقدير الأجنبي بمختلف الوسائل ومهما كان الثمن، فهناك كاتب عربي أرهق الإعلام بجائزة نالها من إيطاليا، ولأني أعيش في أوروبا كان من السهل أن أعرف أن الجائزة كانت عبارة عن غالون من زيت الزيتون قدمتها إحدى القرى الصغيرة في جنوب إيطاليا. تَحفُظ ذكرت الروائية هدى بركات أن الجوائز العربية مثار تحفظ بالنسبة لها، لافتة إلى أنها دُعِيَت لترؤس لجنة جائزة تُعتبر اليوم من أهم الجوائز العربية، إلا أنها رفضت، وقالت: حاولت مناقشة بعض الشروط لكني يئستُ سريعاً، فأنا كاتبة عربية وأكتب باللغة العربية. وحين قرأت اسمي على اللائحة القصيرة لجائزة مان بوكر العالمية، أصبت بالدهشة ولم أعلم من رشحني، ورغم سعادتي بالترشح لها، إلا أنه حزّ في نفسي ألا أكون في ترشيحات جوائز عربية مهمة.