هناك تصور لدى بعض متابعي الأخبار بأن مدينة المقدادية المذبوحة تقع ضمن محاصرة الميليشيات السائبة لها، وتمنع عنها دخول الغذاء والمؤن والمستلزمات الحياتية الأخرى، وهذا الأمر، في رؤية ملامسي الحقيقة بعيد عن الواقع، لأن من غير المعقول أن تحاصر قوات منفلتة نفسها، بعد أن تلطخت أيديها بالدم العراقي. المقدادية التي تسبح في دم أبنائها أسيرة لدى ميليشيات، تنصّلت منها كل ميليشيات الأحزاب السياسية المعروفة، لكن ما هو معلوم أن قائد فيلق بدر هادي العامري هو المسؤول الأول عن عمل الميليشيات في ديالى، وظهر في لقطات كثيرة مع قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وهما يتباهيان بــ استباحة ديالى. وينكر العامري علاقة فيلق بدر بما حدث ويحدث في المقدادية، وإن كان يدعي أن هناك مبالغة إعلامية في الموضوع، إلا أن هذا الإنكار لا يضعه خارج المسؤولية. حصار من الداخل ويفيد متابعون لأحداث ديالى، وبالأخص قضاء المقدادية، بأن المدينة لم يفرض عليها حصار، ولكنها محاصرة في الداخل، فالحصار مفروض بأشكال مختلفة في المدينة، وتجوب الميليشيات الشوارع بعجلات عسكرية، وهي تطلق نداءات للسكان تضعهم بين خيار الرحيل أو الموت، ومن ارتحلوا تعرض الكثير منهم للمضايقات والاختطاف والقتل، ولاسيما الشباب، أما الذين بقوا، فلا شيء مسموح لهم من مقومات البقاء. ويؤكد سياسيون في ديالى أن الحكومة لا سلطة لها هناك، حتى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وهو من أبناء المحافظة، غير مسموح له بالدخول إلى المقدادية، وكذلك رئيس الوزراء حيدر العبادي. الحكومة تداري سياسيون محليون يقولون إن الحكومة، لكي تداري خجلها أمام القوى المحلية والدولية، إزاء موجة النزوح والتهجير الكبيرة من ديالى، وبالأخص من المقدادية، التي أخليت من الغالبية الساحقة من سكانها، أصدرت بعد كل المجازر والمآسي، أوامر لقادة عسكريين، بمنع النزوح من المقدادية، ما يعني وقوعهم بين نارين، لأن المتبقين أصبحوا هدفاً سهلاً لفرق الموت، فلا توجد حكومة تستطيع إنقاذهم، ولا يستطيعون هم إنقاذ أنفسهم. ويقول أحد السكان، أحمد إبراهيم، الذي تمكن من الإفلات مع عائلته، مقابل دفع مبلغ من المال، إن وضع 200 عائلة سنيّة، بقيت هناك في المقدادية لا يطاق، فالشباب لا يستطيعون الخروج من البيوت خشية الاختطاف والقتل، والرجال الكبار ليس بإمكانهم ممارسة أشغالهم، وليس أمامهم سوى انتظار الموت جوعاً وعطشاً. استيلاء ويخالفه صديقه سالم الصقلّي بعض الشيء في ما حدث معه قائلاً: لم يحرقوا أو يفجروا محلي، الواقع في مكان مهم، واكتفوا بكسر أبوابه، والسماح لمن هب ودب، بأخذ ما يشاء، فقد كان الذين كسروا الأبواب يعتبرون المشاركة في السرقة غير مستحبة، لأن (السرقة حرام)، وعندما خلا المحل من كل ما فيه، وضعوا يدهم عليه، باعتباره ملكاً لا صاحب له، ثم ملأوه بمختلف أنواع البضائع والسلع الإيرانية. اقتصاد يحترق يبدي الأستاذ في جامعة ديالي د.خليل الخزرجي استغرابه من موقف الحكومة، المركزية والمحلية بشأن ما يجري في ديالي، ومناطق كثيرة أخرى، كونها (الحكومة)، تمر بضائقة مالية، وتدعو إلى تنويع مصادر الدخل، وتشجيع الإنتاج المحلي، فيما تقف مكتوفة الأيدي إزاء عمليات حرق وتجريف البساتين والمزارع والثروة الحيوانية، في معظم المناطق. وعلى الرغم من التعتيم والخوف كشف محافظ ديالي السابق، عمر الحميري، عن رفض الميليشيات المسلحة قيام رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بتفقد الوضع الأمني المتأزم في قضاء المقدادية خلال زيارته الأخيرة للمحافظة. يقول الحميري، إن الميليشيات المسلحة منعت العبادي من دخول المقدادية، الخميس الماضي، على الرغم من تكرار محاولاته لتفقد الوضع الأمني داخل المدينة. محافظ ديالى: نحمي الجميع بلا تفرقة نفى محافظ ديالى مثنى التميمي انفلات الأوضاع الأمنية في المحافظة، وقال إن ما يتردد عن استهداف السنّة وتهجيرهم قسريا أمر لا وجود له على الإطلاق. وأضاف لوكالة الأنباء الألمانية بالقاهرة إن الأجهزة الأمنية حصراً هي من تمسك الملف الأمني بالمقدادية، متمنياً أن تأتي الفضائيات مع السياسيين وتتجول بالمحافظة. وأكد الحرص على توفير الحماية لأهالي المحافظة دون تفرقة، قائلاً والله نحمي السنة قبل الشيعة وحررنا المناطق السنية من داعش قبل غيرها. وكان رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري طالب رئيس الوزراء حيدر العبادي بأن يثبت بالأدلة ما إذا كانت جرت محاسبة المجرمين الذين قاموا بحرق المساجد السنية في المقدادية الأسبوع الماضي.