ما بين مطرقة العادات التي ارتبطت بالكرم وسندان الإسراف الذي يلاحقها دوما، «شعرة معاوية» كما يسميها العرب، يتكون مزيج جديد طرأ على المجتمع السعودي أطلق عليه البعض مصطلح «الهياط»، وهو مصطلح أصيل في اللغة، حتى أن ابن منظور في كتابه «لسان العرب» يعرف «الهياط والمهايطة» بـ«الصياح والجلبة». في المملكة، تقاليد المجالس صارمة ودقيقة للغاية رغم تباينها بيد أن المعنى واحد، كثير من كبار السن يرون أن الإسراف دخيل على المجتمع، ويختصر التسعيني أحمد الفهد الذي ولد في أوقات عصيبة لا تتوفر فيها الطفرة الغذائية في وادي الصفراء ببادية الحجاز، ليقول «باتوا غير الذي كنا»، مستشهدا بأن مفهوم الكرم الحقيقي بات مشوها بما أسماه «ممارسات المتطفلين». ويحاول الرجل الذي عمل في قطاعات الأعمال الانشائية منذ صغره أن يشرح ما كان عليه أبناء جيله عندما كانوا يعملون ويكدحون في البناء، مستخدما يديه اللتين ثبتت التجاعيد فيهما موطنا، ليوضح أنهم كانوا كرماء ويحبون الضيف، مضيفا أن القرية والهجرة إذا حل بها ضيف لا تهدأ من ضجيج الفرح، «لم نكن مسرفين». «الهياط» امتطى جواد الإسراف ليتشكل في صور مختلفة ويتجلى في مناح عدة، فأصبحت المجالس السعودية وكأنها حقل تجارب لما سيصدر من آخر أشكاله، وبات الضيوف أداته. مزيج «الهياط» المختلف تجلى في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، فظهر من يغسل يده بدهن العود أحيانا وتنثر أمامه أكياس «الهيل» في أحيانِ أخرى ليعجب تارة ويمتعض تارة وتبقى مقولة «الضيف في حكم المعزب، أي المضيف» هي النص القانوني الذي يستند عليه الجميع في قوانين المجلس الصارمة. مزيج «الهياط» لم يقتصر على مجالس الرجال فقط، بل امتد ليصل إلى مجالس السيدات بطابعهن الخاص، فباتت أصناف المأكولات المختلفة وما يوضع على سفرة الطعام، نوعا من ضروب المنافسة والخيلاء كما يعتقدن طالبات جامعيات يعملن على توعية المجالس النسائية. ويرى أحمد المالكي الذي أكمل الـ60 قبل أيام، أن ما يحدث الآن من ممارسات لم تكن موجودة في السابق، مدافعا عن العادات والتقاليد وسط محاولات حثيثة من الستيني لتبرئتها، «الإسراف والخيلاء لم يكونا في عاداتنا، لم نكن نسمعهما في الماضي». ويشير المالكي إلى أن التكلف في إكرام الضيف لم يكن ضمن قاموس أجداده في الكرم، «كنا كريمين بالفطرة»، ويقول ساخرا «اليوم يوجد من يبذر ويسرف على حساب غيره، إنهم يستدينون المال لإظهار كرمهم بطريقة فجة، ثم لا يستطيعون الوفاء بدينهم».