لاشك أن ما تمر به المنطقة العربية من تحديات أمنية وسياسية واقتصادية اليوم هي مرحلة من أصعب المراحل التاريخية التي واجهتها الأمة العربية بغية ضربها في عمقها وتقطيع أوصالها وبعثرة كيانها وكوادرها ومواردها. هذه الظروف والتحديات غير مسبوقة تستهدف وضع منطقتنا وأمتنا تحت الوصاية وتسليم مفاتيح الأمر والنهي فيها للآخرين كوننا غير مؤهلين، وبالتالي سلبنا الإرادة والإدارة وتشتيت شملنا وسرقة كل مصالحنا وثرواتنا. إن هذه التحديات تتطلب من الجميع الارتقاء بالوعي لما يحاك ضدنا ولما يراد أن يؤول الأمر بنا، ومن الخطأ الفادح أن يظن أحد - سواء على مستوى الدول أو الشعوب - أن هذه التحديات لن تطاله ولاتستهدفه أو هو ليس معني بها. يجب أن ندرك جيدًا أن قوتنا تكمن في مدى تكاتفنا وتضامننا وتلاحمنا من أجل الحفاظ على أنفسنا ومصالحنا وثرواتنا، انطلاقًا مما حثنا عليه ديننا الإسلامي ومبادئنا العروبية والوطنية وصلات الدم والقرابة ووحدة المصير والهدف. وإننا في البحرين ولله الحمد كنا ولازلنا على دراية وإدراك لمكامن هذه القوة وحجم التحديات، فكانت البحرين - قيادة وشعبًا - في الطليعة دائمًا مع إخواننا العرب في كل مكان وفي السراء والضراء. إن نهج البحرين هذا ليس وليد اليوم أو حتمته الظروف والتحديات، إنه نهج وسياسات ثابتة ومستمرة بإذن الله، فهي بلد الخير والسلام والتعاون والتآخي مع الجميع. إن هذه السياسات الثابتة للبحرين تتطلب التضحيات، وكانت البحرين بإمكاناتها ومواردها الشحيحة على قدر المسؤولية، فهي لم تدخر وسعًا إلا وقدمته في سبيل الأمة، قدمت الشهداء وهي أرقى أشكال العطاء، ولم تتردد بالمساهمة بما تسمح به ظروفها في المساعدة، وفتحت أبوابها منذ القدم للآخرين، وارتحل رجالها ونساؤها من أجل نشر العلم والمعرفة. هكذا هي البحرين وستظل، عونًا ودعمًا وسندًا للإخوة في كل مكان، وعندما يتعلق الأمر بكياننا الخليجي المشترك مجلس التعاون، فإن الأمر للبحرين يتجاوز الكلمة والموقف، إلى التضحية بالنفس وبكل غالٍ ونفيس من أجل صون أمن واستقرار دول المجلس وحماية مكتسباتها وإنجازاتها. إن التاريخ يحفظ جيدًا ويروي مشاركات أبناء البحرين البواسل في كل ما واجهته دول المجلس من حروب وأخطار وتحديات، انطلاقًا من تمسك البحرين بمسؤولياتها وواجباتها وأداء دورها في إطار المجلس على أكمل وجه. وقد ضرب أبناء البحرين البواسل أروع الملاحم من أجل إعلاء كلمه الله ونصرة الحق، وقدموا لنا اليوم مثلاً رائعًا في في الدفاع عن أرض الحرمين الشريفين والوقوف صفًا واحدًا مع إخوانهم في التحالف العربي بقيادة الشقيقة المملكة العربية السعودية لدعم الشرعية في اليمن. ناصر وخالد ابنا حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه وقفا بكل شجاعة وإقدام في مقدمة الصفوف المحاربة في اليمن وهما ابنا ملك البحرين، فهل هناك أكثر من ذلك تضحية وفداء. هذه هي عطاءات وإسهامات أبناء البحرين، وهي متواصلة ومستمرة أبًا عن جد، وهي مدعاة فخر واعتزاز لنا نحن في البحرين ولكل أبناء دول مجلس التعاون، وهي تعكس إدراكًا ووعيًا كبيرين بكل المخاطر والتحديات التي تحيق بشعوبنا وأمتنا، كما تعكس تمسك البحرين الكبير بوحدة المصير والهدف لكل أبناء دول مجلس التعاون وأمتنا العربية.