أثار إعلان "أرامكو السعودية" طرح حصة من أسهمها للاكتتاب العام ردود فعل واسعة في الأوساط المالية والاقتصادية العالمية حيث اعتبر مختصون غربيون ووسائل إعلام عالمية الأمر بمثابة حدث اقتصادي كبير سيكون له انعكاسات كبيرة على خريطة الاستثمار العالمي. وقالت وسائل إعلام إن الطرح سيجعل أرامكو الشركة الأكبر والأعلى قيمة سوقية في العالم لتتفوق على عديد من الشركات الأمريكية العملاقة وفى مقدمتها "أبل" و"أكسون موبيل". واتفقت على أن الخطوة جيدة في طريق الإصلاح والتطور الاقتصادي في المملكة إلا أنها أكدت أن الأمر يحتاج إلى مزيد من الشفافية حول القطاعات التي ستطرح للتخصيص. وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن طرح "أرامكو" للخصخصة يعتبر حدثا مهما للأوساط الاقتصادية الدولية، مشيرة إلى أن الأمر يجيء في إطار تطوير السياسات الاقتصادية السعودية وتفعيل برامج الخصخصة مؤكدة أن "أرامكو" هي أكبر منتج للنفط وأثمن شركة في العالم وتتفوق في قيمتها على شركات دولية مثل "أبل" و"جوجل" و"أكسون موبيل". وذكرت الصحيفة البريطانية أن إقدام "أرامكو" السعودية أكبر منتج للنفط في العالم على هذه الخطوة يعتبر تحولا اقتصاديا جيدا كما أن خطط خصخصة بعض الشركات التابعة سيدعم الشركة وريادتها المالية. وأشارت إلى أن دخول شركة عملاقة بحجم "أرامكو" إلى سوق الاستثمار والاكتتاب العام سيجذب كثيرا من كبار المستثمرين إليها خاصة أن الأمر يعد من الصفقات الثمينة التي ينتظرها المستثمرون. وأبرزت الصحيفة البريطانية البيان الصادر عن "أرامكو" الذى أكد أن الشركة تعكف على دراسة مختلف الخيارات للسماح بمشاركة شعبية واسعة في حقوق المساهمين من خلال الإدراج في أسواق رأس المال بنسبة مئوية مناسبة من أسهم الشركة أو إدراج حزمة الشركات التابعة لها. وأضافت أن هذا التوجه الجديد من "أرامكو" يتفق مع الاتجاه العام والتدريجي من السعودية في السعي من أجل إجراء إصلاحات اقتصادية جديدة وفعالة يأتي في مقدمتها التوسع في برامج الخصخصة في مختلف قطاعات الاقتصاد السعودي والتوجه بقوة نحو تحرير الأسواق. وأثنت الصحيفة البريطانية على قيام السعودية أخيرا باتخاذ قرارات اقتصادية فعالة من خلال الموازنة المالية الجديدة للبلاد مشيرة إلى أن الأمر شمل مجموعة من التغييرات الاقتصادية القوية والفاعلة وفى مقدمتها قرار خفض الدعم على فواتير الطاقة المحلية ووضع خطة لفرض ضرائب القيمة المضافة، ورغم صعوبة هذه القرارات خاصة على مستوى المجال الاجتماعي إلا أن الصحيفة توقعت نجاح السعودية في تطبيق هذه الإصلاحات المالية والاقتصادية. وألمحت الصحيفة إلى أن المستثمرين الغربيين مهتمون بالاستثمار في شركة "أرامكو" ويتطلعون إلى دورها في أسواق المالية الدولية ولكن لديهم تساؤلات واسعة حول التفاصيل والتطمينات التي يمكن أن تقدمها السعودية حول الطريقة التي سيتم تشغيل الشركة بها وما يمكن أن يتحقق من آفاق النمو وسياسات توزيع الأرباح. وذكرت الصحيفة أنه قد يكون لدى "أرامكو" احتياطات نفطية ضخمة ولكن يجب الاستفادة جيدا من التجارب السابقة حتى يمكن تجنب تكرار السلبيات منوهة إلى تجربة خصخصة "بتروبراس" المجموعة النفطية الحكومية البرازيلية التي اتسمت بانعدام تام لفهم طبيعة الأسواق الحرة ما أدى إلى انهيار قيمة الأسهم. واعتبرت صحيفة "إيكونوميست" طرح نسبة من شركة "أرامكو" أن خصخصة جزء من أكبر شركة نفط في العالم يمثل بالفعل حدثاً جللاً وصفقة مالية تاريخية قد لا تتكرر على مدى القرن. وأضافت أن "أرامكو" تسيطر على نحو 16 في المائة من احتياطي النفط في العالم وما يقرب من ربع الاحتياطيات التقليدية كما تلعب "أرامكو" دورا رمزيا مهما في العلاقات الدولية بين الشمال والجنوب وتعكس تاريخيا نجاح الدول النامية في فرض سيادتها على الموارد الطبيعية في بلدانها وتمثل رمزا لتأميم الصناعات النفطية الضخمة. وأبرزت الصحيفة نقلا عن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تحمسه الشديد لخصخصة "أرامكو" جزئيا وأمله الكبير في أن الخصخصة الجزئية ستكون أداة فعالة على طريق التحول الاقتصادي. من جانبها، ذكرت النشرة الاقتصادية لشبكة فوكس نيوز الأمريكية أنه رغم أن شركة "أبل" تعد حاليا أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية إلا أن السعودية ستغير المشهد الاقتصادي الدولي وواقع الأسواق في العالم حيث تدرس حاليا بجدية طرح شركة أكبر بكثير من "أبل" وستقوم بطرح عام لنسبة من أسهم "أرامكو" التي تعد أكبر شركة نفطية مملوكة للدولة السعودية. وترى الشبكة الأمريكية الشهيرة أن من المستحيل حاليا تقدير حجم استفادة السوق من بيع حصة في "أرامكو" مشيرة إلى أن الصورة ستتضح تدريجيا بعد معرفة التفاصيل الكاملة لشروط عملية الخصخصة الجزئية للشركة مع ضرورة أن تتوافر بيانات دقيقة عن عمليات ونشاطات الشركة وقيم الشركات النفطية الأخرى التابعة لها مرجحة أن تكون قيمتها السوقية أكثر من تريليون دولار متقدمة بفارق كبير على أي شركة أمريكية. من جانب آخر، أوضح لـ"الاقتصادية"، الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن طرح جزء من أسهم شركة عملاقة بحجم "أرامكو" للاكتتاب العام أمر سيكو له تأثير واسع وإيجابي في الأسواق لأنها شركة قوية وناجحة وجاذبة للاستثمار الدولي معتبرا أن الأمر يجيء في إطار خطة جيدة للإصلاح المالي والاقتصادي في السعودية من خلال التوسع في برنامج الخصخصة والتحرر الاقتصادي وتخفيف الأعباء على الموازنة العامة وهو ما عكسته الموازنة الجديدة للمملكة. وشدد ديبيش على ضرورة أن تتم عملية الطرح بشكل جيد ومدروس والاستعانة بالخبرات الدولية الكبيرة في مجال أسواق المال مشيدا بما تم الإعلان عنه من تعيين مدير مالي عالمي لإدارة عملية الاكتتاب سيضفي ثقة دولية واسعة ويسهم في نجاح عملية الخصخصة الجزئية للشركة. وأكد ديبيش أن وجود الاستثمارات العالمية في الشركة سيكون عامل قوة إضافيا للشركة. ويقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن "أرامكو" لها ثقل واسع في سوق النفط وإن طرح جزء من أسهمها للاستثمار والاكتتاب العام حدث اقتصادي فريد لأن الشركة تمتلك احتياطات نفطية كبيرة وتعتبر لاعبا رئيسا ومؤثرا في سوق النفط. واعتبر كروج أن من الضروري في ضوء الحالة الجديدة للشركة معرفة توجهاتها وسياساتها الإنتاجية ومدى تفاعلها مع الأزمة الراهنة في سوق النفط الخام والخاصة بالانهيار المستمر في مستوى الأسعار ومدى تأثير المستثمرين الجدد في عمل الشركة خاصة قضية خفض الإنتاج لدعم مستوى الأسعار. من جهته، أكد لـ"الاقتصادية"، رالف فالتمان المحلل النفطي أن خصخصة "أرامكو" بشكل جزئي خطوة جيدة لدعم اقتصادات المملكة وآلية مهمة من آليات الاقتصاد الحر خاصة في ضوء التراجع الحاد في عائدات تصدير النفط الخام. وأشار فالتمان إلى أن الاقتصاد السعودي يتمتع بمؤشرات قوية وباحتياطات وفوائض جيدة ولكنه لم يعتمد فقط على هذا الأمر وإنما تحرك بشكل جيد وسريع من خلال الموازنة الجديدة لترشيد الإنفاق العام وتقليل دعم الوقود وتطوير منظومة الضرائب والإسراع في برنامج الخصخصة من خلال إعادة هيكلة "أرامكو" وكلها آليات جيدة وفعالة للحفاظ على النمو الاقتصادي والالتزام تجاه مشاريع التنمية العديدة في البلاد.