×
محافظة المدينة المنورة

ذكرى البيعة / مدير جامعة طيبة : ذكرى البيعة .. مناسبة تراكمت فيها الإنجازات والتحمت من أجلها السواعد / إضافة أولى واخيرة

صورة الخبر

هل كان الاحتقان المذهبي في الوطن العربي والعالم الإسلامي موجوداً قبل خمس سنوات، أم أن (الربيع العربي) كان الشرارة التي أشعلته؟ أم أن التموضع المذهبي لم يكن متغلغلاً، و(الربيع العربي) هو الذي أوجده وجذّره. قبل خمس سنوات لم يكن الإعلام العربي يستخدم مصطلحات مثل (السنة، الشيعة، العلوية، الأباضية، الأزيدية، الدروز، الوهابية وغيرها) إلا في ما ندر، وجاءت التنظيمات المتطرفة لتشعل هذه الحرب، فأعلنت حرباً ضد (الروافض والصليبيين والكفار) ولم تأت على ذكر اليهود مطلقاً حتى هذه اللحظة. وكلامي هذا لا يشكل دعوة لحرب دينية، فنحن نعترف بالأديان السماوية الثلاثة، ولا نلجأ لأسلوب التكفير، ولا يمكننا نزع الإيمان عن أي إنسان يوحّد الله، ويعترف بالرسل والأنبياء، وذِكرنا لليهود ينطلق من إلحاح الصهيونية على الربط بينها وبين اليهودية، حتى أن إسرائيل تطالب العالم، لا سيّما العرب، بالاعتراف بها كدولة يهودية، وكلنا نعرف ما فعلت العصابات الصهيونية ومن ثم دولة الكيان الصهيوني بالفلسطينيين والعرب منذ أكثر من سبعين عاماً حتى اليوم. هذا فقط للتوضيح. وعودة إلى السياق الموضوعي، فإنه حتى الإعلام الغربي بدأ يصنف الدول والجماعات والسياسيين ضمن مذاهب، ولا يذكر اسم سياسيّ أو جماعة حتى يلحقها بمذهب، ولا نستبعد هنا سوء النوايا، تمهيداً لتقسيم الوطن العربي وفق خطة في أذهان الاستخبارات الغربية، وفق الدين والمذهب، ووفق تصوراتهم المتوقعة، فإن دولاً شيعية وسنية وعلوية وكردية ودرزية ستنشأ على أراض معيّنة، وإن دولاً أخرى ستنشأ وفق العرق واللغة، وهذا ما يحدد تدخلاتهم هنا أو هناك، من خلال تدريب جماعات طائفية وقومية ويموّهون الأمر بمصطلحات غائمة مثل الاعتدال وغيره. ويبدو أنهم نجحوا في ساحات عديدة، ففي العراق وبعد سقوط صدام حسين، وضعوا ثقلهم لتشكيل حكومات تحمل بذور الصراع المذهبي والطائفي، ثم غضوا الطرف عن تنظيم القاعدة الذي صال وجال ودمر وحرق، حتى وصل الأمر إلى ما وصل إليه، فمن خلال مؤامرة سريعة جداً تم احتلال مدينة كبيرة مثل الموصل من قبل داعش إضافة إلى مدن أخرى، ليُظهروا أن الصراع في العراق هو صراع سني شيعي. الفرز الأخطر تجاوز التنظيمات إلى الدول، فالدول أصبحت تنادي بحماية السنة هنا أو حماية الشيعة هناك، وكأن التقسيم السياسي للدول لم يعد بناء على الحدود الجغرافية، وإنما وفق المذاهب، وسيادة كل دولة، نتيجة لهذه الممارسات، ستمتد إلى مواطنين في دول أخرى يعتنقون مذاهب معينة. إيران على سبيل المثال، ومنذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين، وقفت ضد الحكومة البحرينية بصفتها كما تدّعي الراعي للطائفة الشيعية الكريمة، وأصبحت تطالب الحكومة بوقف (ممارساتها وقمعها للرموز الدينية). وقبل أيام، حين أقدمت السعودية على إعدام مجموعة من الأشخاص من بينهم رجل دين شيعي يدعى نمر النمر، أقامت الدنيا ولم تقعدها، وهدّدت وتوعدت بالنتائج الوخيمة لذاك التصرف، بينما في الواقع، فإن الشيخ النمر هو مواطن سعودي، وكونه يعتنق المذهب الشيعي، لا يجيز لإيران التدخل والتهديد. وإذا سُمح لإيران بهذا التدخل غير المنطقي، فإنها ستكون مسؤولة وراعية لمعتنقي المذهب الشيعي في كل مكان في العالم. الأمر نفسه ينطبق على أي دولة (سنية)، سيكون من حقها التدخل لدى السلطات في أي بلد لحماية معتنقي المذهب السنّي. وفي هذه الحالة، لا بد لإيران من الموافقة على أن يتدخل الفاتيكان لحماية المسيحيين الإيرانيين، وأن تتدخل إسرائيل في شؤون الإيرانيين اليهود. إن هذا التوجه يضع مفهوم سيادة الدول على المحك، ويعطّل من ممارساتها القانونية وتطبيق العدالة على الجميع، بل إن العالم سينقسم وفق الأديان، وفي هذه الحالة، ستكون المواطنة محكومة بالدين أو المذهب، ويصبح من المحتم أن يعيش كل معتنقي مذهب محدد في دولة واحدة، أي أن يتم إعادة تقسيم الجغرافيا والخريطة السياسية العالمية وفق الدين والمذهب، وهو أمر مستحيل ولا يمكن أن يُلتفت إليه أو حتى مجرد مناقشته. وفي الحقيقة، إن المذهبية ليست هي الدافع وراء الصدام الواقع بين الدول أو بين الأحزاب والتنظيمات، وليس الدين هو الدافع أيضاً. فكيان غاصب مثل إسرائيل يوظف اليهودية ليشرعن احتلاله لفلسطين، ويسعى في كل مناسبة، وضمن استراتيجية بعيدة المدى لتهويد فلسطين، أي أن تصبح فلسطين يهودية، وهذا يعني تنفيذ سياسات التهجير للمسلمين والمسيحيين الفلسطينيين من فلسطين. وإيران أيضاً لا تتصرف بدوافع مذهبية، ولكن المذهب غالباً ما يكون وسيلة للتدخل في شؤون الدول، وتنفيذ أجنده تتضمن طموحات تاريخية وجغرافية كبيرة، وللتحكم بممرات استراتيجية عالمية لإعادة إمبراطورية عفا عليها الزمن، شأنها شأن الإمبراطوريات القديمة، وإذا صحت هذه الفرضية، فإن الإمبراطوريات السابقة يجب أن تعود، الإمبراطورية البريطانية، والبرتغالية والفرنسية والعثمانية والرومانية وغيرها، كلها يجب أن تعود. ومن المعلوم أن هذه الإمبراطوريات تعاقبت على المساحة الجغرافية نفسها، وهذا يعني أن صراعاً أزلياً سيعود بين الدول، وتضطرب الكرة الأرضية. لقد انتهى عصر الإمبراطوريات بمعناه التقليدي ، الذي تحاول تطبيقه إيران على سبيل المثال، ونشأت إمبراطوريات أخرى تستخدم الاقتصاد، وليس الجيوش لتوسيع النفوذ وخلق أسواق جديدة، وأي محاولة لإعادة الأسلوب القديم في نشوء الإمبراطوريات، هو مغامرة مهلكة لصاحب المحاولة وللأرض المقصودة. على كل دولة احترام سيادة الدول الأخرى، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تعاني من تنامي التمركز خلف الدين والمذاهب، وأن تلتزم بمفهوم السيادة، حتى لا تختلط الأوراق وتؤدي إلى كوارث، فاللعب بأوراق المذاهب والديانات سيقود إلى تأجيج الصراع، وإذا كان السياسيون يعرفون أن الغايات تكمن في الطموحات السياسية، فإن الشعوب لا تدرك هذا، وتعتقد أن الصراع هو حقيقة بين المذاهب. بدلاً من هذا الاحتقان الذي لن يؤدي إلى تغيير أنظمة في المنطقة وفق أهواء دولة معينة، يجب أن يُطبق مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ويكون مجلس الأمن حاسماً في هذا الأمر، فكل دولة مسؤولة عن مواطنيها بكل دياناتهم وانتماءاتهم المذهبية والعرقية، ولا يحق لأي دولة أخرى التدخل والمشاركة في المسؤولية. suwaiji@eim.ae