ألقى الدكتور أحمد عاشور مدير مستشفى الملك فهد بجدة سابقا، أحجارا في الماء الراكد في القطاعين الصحي والبيئي. وقال في الجزء الثاني من حديثه لـعكاظ إن الشراء عبر أموال المتبرعين أكثر بركة من أموال وزارة الصحة التي تمر عبر إجراءات معقدة، حيث تأخذ كل جهة نصيبها من كعكة مخصصات الشراء. وكشف عاشور عن سرقات علنية تمت في فترة وجوده بالوزارة على طريقة على عينك يا تاجر، وتحويل مبلغ 330 مليون ريال من مشروع السجل الموحد لشراء أجهزة حاسب تم تخزينها في المستودعات، مبديا في الوقت نفسه استغرابه من بقاء 49 منشأة طبية أنفقت عليها مئات الملايين من الريالات بلا تشغيل. وأكد أن قرار إغلاق مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية بُيِّتَ بلَيل ولا صحة لتهالك المبنى هندسيا. واتهم وكيل الأرصاد وحماية البيئة سابقا القطاعات الحكومية بالوقوف خلف كل مشاكل البيئة في المملكة.. محاور أكثر سخونة وأرقام تخرج من تحت الستار لأول مرة في ثنايا الحوار. * لماذا رددت في أكثر من مناسبة أن الأموال التي تأتي من خارج الوزارة بركتها أكبر من أموال الوزارة؟ - لأن توفير احتياجات ومتطلبات المستشفيات يتم عبر إجراءات معقدة بدءا من اختيار المادة ووضع المواصفات وتقدير الأسعار لها عبر لجان مختصة، ثم تطرح بعد ذلك في مناقصة تعلن أمام الجميع، وبعد ذلك يطلب تقديم عروض الأسعار، ثم يتم اختيار الأنسب والأصلح بواسطة لجنة أخرى، ثم يأتي دور التوريد والاستلام والتخزين عن طريق لجنة أخرى، ثم إعادة التوزيع على المواقع، وبعد ذلك يأتي دور صرف المستخلصات من قبل جهة أخرى. هذا جزء بسيط من دورة كبيرة في قطاعات الصحة والممثل المالي ثم وزارة المالية... إلخ، لذا من الطبيعي أن تأخذ كل جهة نصيبها من الكعكة وهو ما يستهلك جزءا كبيرا من المخصص قد يصل إلى أكثر من 70%، وما يتبقى بعد ذلك يكون من نصيب المتعهد. * تقصد سرقة عيني عينك؟ - نعم وعلى عينك يا تاجر. وأعطيك مثالين صارخين حدثا معي تحديدا وما أكثر الأمثلة، فقد اشتريت جهازا للرنين المغناطيسي على نفقة الشيخ محمد علي مغربي بـ5 ملايين ريال بعد ضغوط شديدة مارستها على الشركة، بينما اشترت جهة حكومية تقدم الخدمة الصحية أحتفظ باسمها الجهاز نفسه في السنة نفسها بـ13 مليون ريال. كذلك قمت بشراء أربعة أجهزة (شيلرز) للتكييف المركزي بمبلغ 7.5 مليون ريال جاءتنا تبرعا من الملك فهد رحمه الله، فيما اشترت وزارة الصحة جهازين فقط في العام نفسه بمبلغ 12 مليون ريال. * بينما الاعتقاد السائد هو أن الأموال التي تأتي من متبرعين تتنازعها الأيدي. - هذا وارد طبعا، لكنني هنا أتحدث عن الأموال المصروفة مباشرة من تبرعات لو أحسن استخدامها ووقعت بيد أمينة فإن ما يتم دفعه يكون القيمة الفعلية فقط والتي تكون في العادة أقل من 50% من الأسعار المقدمة للوزارة. وفي بعض الأحيان عندما يتم الدفع مقدما للمورد يمكن الحصول على خصومات أكبر للبضاعة الموردة قد تصل إلى 70%. وكذلك يمكن الشراء من خلال المعارض الدولية، حيث تكون الأسعار حسب التكلفة. كما كنا نحصل على مساعدة الخطوط السعودية في نقل كثير من المواد الطبية على أسطولها مجانا أيام الكابتن أحمد مطر رحمه الله. فقاعة التخطيط * أليس من العبث الحديث عن تطوير الخدمة الصحية وما زالت الرعاية الصحية الأولية تحبو في بلادنا، مع أنها الخدمة الأساسية في أي نظام صحي في الدول المتقدمة؟ - معك كل الحق في ذلك، مع أن المادة رقم 31 من نظام الحكم الأساسي للدولة تنص على عناية الدولة بالصحة العامة، لذا فإن الدولة ممثلة في وزارة الصحة وجميع القطاعات الطبية يجب أن تعمل معا لتوفير العلاج والرعاية الطبية للمواطنين في أي موقع داخل وخارج المملكة، وهذا من أبسط حقوقهم. * وأين هذه الفقاعة الكبيرة التي نسميها التخطيط؟ - سبق أن وضعت خطط من وزراء سابقين بتوزيع المراكز الصحية على مختلف أنحاء المملكة، ولكن ذلك يتم إلغاؤه أو تأجيله عند تغيير أو تبديل كل وزير. ويجب أن نعترف بحقيقة موثقة عن تردي خدمات الرعاية الصحية الأولية وفقدان الثقة فيها من قبل المواطنين، نتيجة ضعف إمكاناتها وقلة خبرة العاملين فيها ونقص الأدوية والوسائل التشخيصية بها، إضافة إلى قلة عددها مقارنة بعدد السكان، وسوء توزيعها الجغرافي، وتهالك مبانيها. * وزد على ذلك مشكلة تفاوت تقديم الخدمات الصحية، خصوصا لسكان المناطق الطرفية. - يعتمد توزيع الخدمات الصحية على مناطق ومدن المملكة على عدة عوامل؛ تبدأ بالكثافة السكانية، ثم الموقع الجغرافي وتحديد مواقع الخدمات الطبية المجاورة لها، يلي ذلك التخطيط المستقبلي للموقع واستمرارية الحياة فيه، وانتهاء بالإمكانيات المتوفرة، لذا يتم إعطاء الأولوية لتوفير الخدمات الطبية حسب هذه الأسس التي تبدأ عادة بمراكز رعاية أولية يتم تطويرها لاحقا. * لكن هذه المنهجية التي تتحدث عنها على الورق فقط. - للأسف هذا صحيح. وهنا يجب الإشارة إلى أن منهجية التوزيع لوزارة الصحة لا تتقيد بأي من المواصفات التي ذكرتها لك آنفا، حيث سبق لي أن كلفت عندما كنت بوزارة الصحة ببحث قضية في مستشفى أضم العام، وقد صعقت وهالني ما رأيت في هذه المنطقة، بوجود مرفق طبي أشبه بمدينة طبية مصغرة كاملة في قرية يقل عدد سكانها كثيرا عن عدد العاملين في هذا المستشفى في تلك الفترة، بل الحقيقة أنه لا يوجد شيء في هذه القرية سوى المستشفى وحوله بعض المباني من الصفيح وقليل منها من الطوب اللبن.. فكيف، ومن أجاز إقامة مثل هذا المشروع في منطقة نائية يكفيها مركز طبي صغير مع إقامة مثل هذا المشروع في مواقع أخرى بالمملكة ذات كثافة سكانية هم في أمس الحاجة لخدماتها. * هذا هو التخطيط يا دكتور. - لا وأزيدك من الشعر بيت.. علمت لاحقا أن مسؤولي وزارة الصحة في تلك الفترة لم يكلفوا أنفسهم بإرسال مندوب لدراسة الموقع، واكتفوا بطلب شيخ القرية بتوفير مشفى لهم وكان يقصد مركزا صحيا، لكن خانه التعبير، وخان مسؤولي وزارة الصحة التفكير والتدبير. * هذا يدفعني لأسأل عن كيفية تشغيل المستشفيات التي في طور التنفيذ حاليا دون الدخول في مخاض جديد يتعلق بميزانيات التشغيل؟ - هل تصدق أن هناك نحو 49 مرفقا صحيا تم الانتهاء من بنائها ولم يتم تشغيلها حتى الآن! * أين؟ - أعطيك مثالا واضحا وصارخا هنا في مدينة جدة، حيث يوجد مستشفيان رئيسيان كبيران تزيد سعتهما على الألف سرير؛ مستشفى شمال جدة ومستشفى شرق جدة لم يتم تشغيلهما لأكثر من عشر سنوات، وقس على ذلك مستشفيات غيرهما في مختلف مدن المملكة. * ما هذه الفوضى.. أين النظام وأين الرقابة؟ - أنظمة الدولة تتطلب عند إجازة أي مشروع تكامل دراسته من ناحية الإنشاءات والتشغيل، لذا يفترض على وزارة الصحة عند طلب أي مشروع إعداد دراسة متكاملة لجميع احتياجاته تقدم سويا لوزارة المالية لاعتمادها كحزمة واحدة متكاملة، وما يحدث حاليا في أروقة وزارة الصحة هو إنشاء مستشفيات وتجهيزها طبيا وتوفير الخدمات المساندة لها تكلف آلاف الملايين ثم تعجز عن تشغيلها. * وما هو الحل لهذا الواقع المؤلم؟ - كخطوة أولى يجب التركيز الآن على تشغيل المستشفيات القائمة قبل إضافة وبناء المزيد من المستشفيات التي لا يمكن إدارتها، أو تأجيرها للقطاع الخاص كحل بديل، بدلا من تركها بهذا الشكل حيث تستهلك مبالغ كثيرة لصيانتها وحراستها، وفي النهاية ينقضي عمرها الزمني ويتلف معظم أجهزتها الطبية دون الاستفادة منها. * د. أحمد.. بماذا نفسر طرح مشروع توحيد السجلات الصحية الإلكترونية في عهد كل وزير، لكنه ما زال حتى الآن حبرا على ورق؟ - لو طبق مشروع توحيد السجلات الصحية الإلكترونية لجميع المواطنين في جميع القطاعات التي تخص وزارة الصحة أو المواقع الصحية الأخرى، فسوف يؤدي إلى تطور طبي كبير لصالح وخدمة المواطن طبيا وسرعة الوصول إلى علاجه في جميع المواقع. ورغم إقرار جميع القطاعات الصحية بمدى أهمية هذا الموضوع الخاص بتوحيد السجلات الطبية الإلكترونية وتشكيل اللجان المتخصصة، وتحديد اللجان لكل قطاع، واجتماع اللجان لوضع الأطر اللازمة لتنفيذ ذلك، إلا أن المشروع الأساسي قد أجهض من بدايته باعتراض الجهات الطبية العسكرية والأمنية والحرس الوطني؛ لتعارض ذلك مع سرية المعلومات لمرضى الجهاز العسكري. * وأين مصلحة المرضى في ظل هذا التنازع للصلاحيات؟ - قررت وزارة الصحة إثر ذلك الانفراد بتطبيق السجل الموحد على مستشفياتها والمراكز التابعة لها كمرحلة أولى، ثم إضافة المستشفيات الخاصة كمرحلة ثانية، وخططت وزارة الصحة لتنفيذ ذلك على 150 مركزا صحيا خصصت لها ميزانية بـ80 مليون ريال، و30 مستشفى خصص لها 250 مليون ريال، ورغم تجهيز الشبكة في بعض المستشفيات إلا أنه تم إيقاف المشروع بدخول وزير وخروج آخر، والأغرب من هذا أنه تم إدراج ميزانية تطوير الحاسب الآلي والسجلات على مدى خمس سنوات، إلا أن معظمها كانت عبارة عن عقود استشارية واستنزفت الميزانية، وتم تبديل جميع أجهزة الحاسب الآلي بواسطة شركة أخرى، وظلت معظم الأجهزة المستبدلة في المخازن. تناقض واضح * ما بين مشروع المدن الطبية الذي أوقفه د. عبدالله الربيعة ومشروع التأمين الصحي على المواطنين والمقيمين الذي ما زال معلقا؛ ما هو الحل الأنسب لواقعنا؟ - المنطق يؤكد بوضوح أنه لم تكن هناك أي استراتيجية واضحة المعالم للوزارة في ما يتعلق بمستقبل الخدمات الصحية وسبل تطويرها. ففيما كان الوزير الدكتور حمد المانع يسعى جاهدا لبناء المزيد من المدن الطبية في مناطق المملكة المختلفة في ما أسماه مشروع الحزام الصحي، كان في الوقت نفسه يدعم فكرة تطبيق الضمان الصحي على المواطنين والمقيمين، وساند إجراء الدراسة التي أطلق عليها مشروع بلسم ورفعها للمقام السامي، مع العلم أن فكرة وأهداف المشروعين مختلفة كل الاختلاف بل ومتعارضة ومتضاربة في مفهومها وأسسها ونتائجها، ويمكن تمثيلها بشخص يريد إقامة وليمة لضيوفه وقام بشراء خروف مع لوازمه وطهاه في منزله، وفي الوقت نفسه دعا ضيوفه للأكل في مطعم خارجي تاركا ما أعده في المنزل. والحل الأنسب يتمثل بإعادة دراسة الوضع الحالي لاختيار أحد المشروعين في ضوء المعطيات والإمكانيات المتوفرة لدى الدولة أو في القطاعات الخاصة والتكلفة الشاملة. * إلى أي مدى تشكل إدارة المنشآت الصحية هاجسا مقلقا؟ - لا توجد لدينا كوادر قيادية مؤهلة كافية لإدارة المنشآت الصحية، بالذات في ظل غياب الأنظمة والخطط الاستراتيجية لوزارة الصحة التي يجب تطبيقها والتقيد بها. كما أننا بحاجة إلى كوادر ذات شخصية قيادية وتدريبها على العمل الميداني، من خلال الممارسة والدورات المتخصصة. وما يحدث حاليا في وزارة الصحة عند تكليف أي شخص بالعمل مديرا لمرفق طبي تتوقع منه أن يكون علامة في مجال عمله، ويأتي بما لم تستطعه الأوائل، وهذا أمر غير منطقي. * وهل هذا سبب في تغييب الطبيب المواطن عن منصب المدير الطبي ومساعده في مستشفياتنا الخاصة، وإبقائه حكرا على الطبيب الأجنبي؟ - وجود المدير الطبي والفني الأجنبي في المستشفيات الخاصة طبيعي بسبب عزوف معظم الأطباء السعوديين عن هذه المناصب، وذلك لما يتعرضون له فيها من مشاكل في مواجهة العاملين والجمهور، إضافة إلى إبعادهم عن ممارسة مهنتهم الأساسية، وعدم وجود حوافز كافية لذلك. * تؤكد أرقام المجلس المركزي لاعتماد المنشآت الصحية عام 2014 أن 100 مستشفى تقريبا اجتازت معايير الاعتماد على مستوى المملكة، واستمرت البقية تعمل دون معايير، فيما لم تخضع المستشفيات الحكومية الأخرى -العسكرية والجامعية- لهذا التقييم، ما رأيك؟ وماذا نفهم من هذا التقييم؟ - في ظل هذه الظروف التي نعيشها وفي وجود الانفلات الشديد وعدم توفر الأنظمة والاستراتيجية والخطط الصحية والقصور في الإمكانيات، فقد اجتاز التقييم 100 مستشفى من نحو 400 مستشفى تابعة لوزارة الصحة، هذه في نظري نتيجة ممتازة، وخصوصا أن هذا التقييم يكون من جهة خارجية حيادية لا يمكن التأثير عليها داخليا. وثق بأننا لو أعدنا حاليا تقييم بعض من هذه المستشفيات التي اجتازت هذه المعايير مرة أخرى لفشل عدد منها في اجتياز المعايير؛ لتغيير إدارته وللظروف التي تمر بها وزارة الصحة حاليا. وأنا هنا أشدد بقوة على إلزام جميع المستشفيات دون استثناء بالدخول في هذا التقييم سنويا؛ لتحديد أوجه القصور لديها ومعالجتها في حينها، وحتى لا تتعرض لمثل ما حدث في مستشفى جيزان لا سمح الله. * يجري الآن إقفال مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية، ونقل المرضى لمستشفيي العزيزية وشرق جدة؛ لوجود تصدعات وتشققات عميقة في مبانيه نظرا لقدمها وتهالكها إذ يبلغ عمره 30 عاما، وعدم توافر اشتراطات الأمن والسلامة، وبما أنك كنت مديرا عاما لمستشفى الولادة بين عامي 1403و1409، فما رأيك بخصوص هذا الإجراء؟ - أولا أحب أن أصحح معلومة أن المبنى عمره ليس 30 عاما بل يزيد على 44 عاما، وقد قامت وزارة الصحة بشرائه من الرحباني سنة 1395 ونقلت إليه مستشفى الولادة الذي كان مقره في البغدادية، وعند استلامي للعمل به عام 1403، وجدت طلبا من الإدارة السابقة بترميم شبكة الكهرباء والمياه بمبلغ يصل لنحو 8 ملايين ريال واعتذار الوزارة عن تلبيته واقتراحها أن يتم بناء مستشفى بديل، ولكن استطعت إقناع الوزارة بترميم المبنى حتى إيجاد البديل الذي كان متوقعا خلال 5 سنوات، لكن استمر العمل به لمدة 35 عاما، ونظرا لعدم وجود خرائط إنشائية للمباني استعنت بلجنة هندسية أوروبية عالية المستوى من خارج الوزارة تابعة لإحدى الشركات الخاصة، ومن جامعة الملك عبد العزيز لدراسة وضع المبنى، وقد اتضح لهم أن المبنى جيد إنشائيا ولا توجد به أي عيوب، وعلى إثر ذلك تمت إضافة بعض المباني والأقسام الجديدة للمستشفى مثل العيادات الخارجية ومبنى الطوارئ والحضانة وأقسام خارجية أخرى، لهذا لا أعتقد بوجود أي عيوب أو مشاكل إنشائية، ويمكن استمراره حتى إيجاد البديل المناسب، ولا ينبغي الاستعجال وإخراج وتوزيع المرضى إلى مواقع أخرى مكتظة ولا توجد أي إمكانية إطلاقا فيها، وما يشكله ذلك من خطورة كبيرة، إضافة إلى زيادة مشكلة الأسرّة في جدة. وأقولها جازما إن الهدف من إقفال مستشفى الولادة والأطفال بالمساعدية وراءه نية مبيتة وهي نقل العاملين فيه لتشغيل مستشفيي شمال وشرق جدة ليس إلا، وهو قرار مستغرب وغير مبرر. نظام النفايات بدائي جداً.. والقطاعات الحكومية وراء التلوث تحفظ وكيل الأرصاد وحماية البيئة سابقا الدكتور أحمد عاشور على أسباب استقالته من الأرصاد، لافتا إلى أنه لا يجد من المفيد الآن التحدث عن سلبيات هذا الجهاز وظروف استقالته، وقال: إنه موضوع محرج ومؤلم جدا، فبالرغم من الجهود المبذولة على مستوى الدولة لهذا الموضوع وصدور النظام العام للبيئة ولائحته التنفيذية كما تنص المادة 32 من النظام الأساسي للحكم، إلا أن حقيقة الوضع أن معظم هذه الأنظمة على ورق لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لعدم تفعيلها أو الالتزام بها من الجهات المعنية، ومع ذلك استطعنا خلال الفترة التي قضيتها بالرئاسة أن نحرز تقدما كبيرا في المجال البيئي. وأضاف عاشور الرئاسة كانت جهة إشرافية واستطعنا في تلك الفترة تكوين فريق من عدد من القطاعات الحكومية، ونجحنا في تحقيق طفرة نوعية.. فعند استلامي للعمل بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة كان ترتيب المملكة 138 ضمن قائمة التقييم البيئي من قبل المركز الكندي الدولي من ضمن 146 دولة لعام 2005، ومع تطور وتحسن وضع البيئة تقدمت المملكة إلى المرتبة 61 من بين 177 دولة أجري عليها التقييم، ومع ذلك لم أكن راضيا إطلاقا عن هذا الترتيب، إذ تحتاج البيئة إلى إجراءات فعالة وقرارات حاسمة قوية وجريئة لوضعها في مكانها الصحيح لتؤدي دورها كما ينبغي. وأوضح أن الجهات الحكومية مسبب رئيس في التلوث المنتشر في المملكة، فالسبب الرئيسي في تلوث الشواطئ والخلجان والبحيرات هو الصرف الصحي المباشر غير النظامي، أو عبر محطات المعالجة، أو من خلال مصارف الأمطار والسيول.. والجهة المسؤولة عن كل هذا هي وزارة المياه، أما مخلفات المصانع أو سوق السمك فهذه مسؤولية الأمانة ووزارة التجارة، فيما تقع مسؤولية الدفن والتجريف وتضييق أو إغلاق مداخل الخلجان على أمانات المدن والمؤسسة العامة للموانئ، أما مصادر تلوث الهواء فتأتي عادة من محطات التحلية أو الكهرباء أو المناطق الصناعية التي تستخدم في إنتاجها الوقود الثقيل، وكذلك مصافي البترول، بالإضافة إلى الكسارات وعوادم السيارات ومحارق النفايات والورش، وجميع هذه المصادر تسببها إدارات وجهات حكومية، هذا إضافة إلى بعض المصادر الخارجية مثل معامل الفوسفات على الحدود الأردنية السعودية، وفوق هذا كله فإن نظام تجميع النفايات والتخلص منها في المملكة يتم بطرق بدائية جدا إما بالحرق أو بالدفن، وهذه عملية مكلفة ومضرة بيئيا وناشرة للحشرات والقوارض والأوبئة، وتلوث المياه الجوفية، وتستهلك مساحات كبيرة من الأراضي، إضافة إلى تلويث الهواء. وأنا أستغرب فعلا عدم استخدام الوسائل الحديثة في إعادة التدوير والاستفادة من نواتج النفايات، كما يتم في جميع أنحاء العالم.