تعودنا خلال السنوات الأخيرة على وصف الميزانية العامة للمملكة ب (ميزانية الخير) نظراً لارتفاع الناتج القومي مقارنة بالإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية الأمر الذي أدى إلى فوائض مالية عالية ساهمت في زيادة الدعم الذي تقدمه الدولة للسلع الاستهلاكية والمحروقات وخفض تكاليف الخدمات المقدمة للمواطنين بشكل عام. ومع انهيار أسعار النفط - المورد الأساسي لخزينة الدولة- إلى مستويات قياسية تجاوزت الخمسين بالمئة برزت الحاجة إلى إيجاد طرق فعالة لترشيد الإنفاق العام لمواجهة هذا الانهيار غير المتوقع وهذا ما كان واضحاً في بنود الميزانية الجديدة التي تمثل تحدياً حقيقياً لاقتصاد هو الأكبر في المنطقة. حتى أكثر المتفائلين لم يكن ليتوقع أن يقف العجز المتوقع في الميزانية عند 326 مليار ريال في ظل انخفاض الإيرادات، واستمرار العمليات العسكرية لدعم الشرعية في اليمن والتي تتحمل بلادنا النصيب الأكبر من نفقاتها، ناهيك عن الدور الذي تقوم به المملكة لدعم استقرار دول شقيقة من منطلق قومي فرضته التحديات الإقليمية التي يعيشها عالمنا العربي. هذا كله مثل فرصة للمشككين في متانة اقتصادنا الوطني، ودفع الكثيرين إلى طرح سؤال بالغ الأهمية - سؤال المليون دولار كما يقال - كيف استطاعت المملكة فعل ذلك؟ بعيداً عن لغة الأرقام والحسابات التي أبدع الزملاء في القسم الاقتصادي وكتّاب الرياض من محللين اقتصاديين في شرحها وتفصيلها، يمكن الإجابة على هذا التساؤل المشروع من خلال متابعة الإنجازات التي حققها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الأشهر الماضية، ويكفي الوقوف عند تصريح عضو المجلس، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء محمد آل الشيخ الذي كشف فيه عن نجاح الأمير في توفير نحو تريليون ريال من خلال وقف الصرف على سبعة آلاف مشروع متعثر، لنكتشف الفائدة الحقيقية من هذا المجلس والدور الذي سيلعبه مستقبلاً في رفع كفاءة الإنفاق ومواجهة الفساد وهدر المال العام. ولعل من أصعب القرارات التي اتخذتها الدولة بالتزامن مع ميزانية العام المقبل رفع أسعار منتجات النفط والكهرباء والمياه، وهو الأمر الذي عدّه البعض نهاية عصر الرفاهية و "الدلع" التي يعيشها المواطن، وفي هذا التعبير مغالطة للواقع وإساءة كبيرة لنا كسعوديين، فنحن منذ تأسيس المملكة شركاء مع الحكومة في الحفاظ على رخاء هذا الوطن، وكما كنّا ننعم بخيراته ولا زلنا، نحن أيضاً شركاء في ترشيد الإنفاق والاستخدام المعتدل للموارد كل حسب امكانياته بما يضمن لنا وللأجيال المقبلة استمرار هذا الرخاء الاقتصادي الذي تعيشه بلادنا رغم التحديات والظروف العالمية الصعبة. m2maihi@gmail.com Twitter: @MohammedTomaihi