قبل مدة استضافني رجل في مزرعته التي يربي فيها الخيول، وبينما كنت جالسا معه وقد قاربت الساعة الثانية عشرة ليلا تفاجأت به يقول لي: لقد دقت الساعة، وظننت لأول وهلة أنه يريدنا أن (نسري) وننام، وما أن وقفت حتى قال لي: هل تريد أن تشاهد موقفا لا يخطر لك على بال؟!، قلت له: طبعا أريد، قال: إذن تعال معي سوف أريك حصانا خبيثا و(ملعون أبو الوالدين)، وجرني من يدي إلى أحد الاصطبلات طالبا مني الصمت وقبعنا في الظلام الدامس نراقب الغرفة التي فيها ذلك الحصان (الفحل)، وإذا به يلتفت يمينا وشمالا بحذر وعندما تأكد أن لا أحد هناك، وإذا هو يفتح أكرة الباب بأسنانه، ويمشي الهوينا نحو غرف الأفراس الأناثي ويأخذ (بالشمشمة)، ويبتعد عنها الواحدة تلو الأخرى، وعندما وصل إلى الغرفة الثامنة توقف، وإذا به يفتح أكرة الباب بأسنانه لأنه لاحظ من رائحة تلك الفرس أنها (مشيع) ـ أي أنها مهيأة وطالبة للتزاوج والتلقيح، وقبل أن يفعل الحصان (الصنيان) فعلته وإذا بالرجل يهب واقفا وهو يصيح ويمسك به ويعيده إلى غرفته مكسور الخاطر. لا أكذب عليكم أن الحصان مع الفرس قد صعبا علي، وعندما عاتبت الرجل على فعلته وحرمانهما من بعضهما البعض، لأن هذا أمر طبيعي في علم الحيوان، قال لي: إنني أرفض أن تتخالط الأنساب، فهذا الحصان (كديش) وتلك الفرس أصلية. فما كان مني بعد أن أخذتني الحمية الإنسانية والحيوانية كذلك، إلا أن أقول له: والله (الكديش) ما هو الحصان، الكديش هو أنت الذي ترفض أن تجمع رأسين بالحلال. تفاجأ هو من ردي الصريح غير المجامل له، وأحسست أنه (انقمص) من كلامي، وبعد فاصل قليل من الصمت بيننا، التفت لي قائلا بدون أي مجاملة لي: وأنت إيش دخلك بيني وبين خيولي، أنا حر فيها أعزل منها ما أعزل، وألقح منها ما ألقح، ثم إيش عرفك أنت أصلا بالخيل؟!، صحيح أن المثل القائل: (إذا مدت الخيل يديها لكي تحذا، مد أبو الحصين يده)، وهذا هو أنت، هنا لابد أن أوضح لبعضكم ترجمة (أبو الحصين) التي تعني (الثعلب). الواقع أنني استأت من وصفه لي بهذه الكلمة ـ رغم أننا كلنا ثعالبة الله، بشكل أو بآخر ـ المهم فكرت أن أصعد الموضوع وانتصر لكرامتي، ولكنني قصرتها من آخرها وصمت ووكلت أمري لله.