بمكر جميل يرتاح في تضاريس الوقت،تسافر الفنانة في منعرجات اللون غير آبهة بأعاصير الجنون وهي تقتادك إلى مغارة السند أو فضاء اللوحة. هيلدا حياري قبل أن ترسم تسترق السمع خلسة من أقصى القلب لتحفر جنونها على السند،تخترق عزلة الذات المبدعة بخيالها المدرب على خيانة البياض، والمنذور لاقتناص فداحة الغياب المعشش تحت أعشاش الروح، أو قرميد القلب بألفة صامتة كغابة أمازونية بين نهري الضوء والعتمة. لوحاتها، وقائع حية مدججة بشهوة الحياة، نابضة باستعادة المجد الطفولي الهارب من مجاهيل المخيلة إلى أقصى خيمة مفتوحة على جنون القلب، ودوائرها الأنيقة ملثمة بخرافات ماكرة تراوغ فتنة البياض، وفداحة العزلة بألق صغير منذور لشساعات الليل أو رقصات الظل. إنها تتحايل على لعبة الظل والضوء لتدخل في امتحان باذخ مع جماليات التخييل، وشعرية الرؤية التي تستنطقها كينونة السند وروح الفرشاة. لا هدنة مع العتمة، هذه هي الطقوس الاحتفالية التي تؤمن بقيمها هيلدا حياري. إنه نشيد العين قبل أن يكون سفر القلب في اتجاه عاصفة الخيال ومطر الذكريات. دوائر من حنين، بدائية، تتكور خلسة من فم المخيلة مثل حجر سيزيف. سيزيف هذا الصديق،الشقي، الأنيق، الفوضوي، العميق، بمحبة يساند الشعراء والفنانين والكتاب ليصنعوا بهاء الحياة بهباء عزلتهم،وأبراج حرقتهم مع اللغة واللون. ألوان متوحشة بنبض الضوء، تحفر قلقها في كهوف العتمة لتتصالح مع السواد. موعد غير مرتب بين الريشة واللون تخططه أنامل متعبة برهافة الإحساس، تتجول بين خمائل الروح وسيرة الريح غير عابئة بابتهالات الحنون، ورقصات الحكمة. عندما تقرأ لوحات هيلدا حياري بالعين والقلب، وتتعمق بثقافتك البصرية في غياهب ألوانها، تؤمن للتو بأن الفن قادر على إنقاذ العالم من خموله ورتابته المملة. حيث اللوحة تصبح نافذة أنيقة على طفولة الكون، على سيرة العالم. الألوان تمطر شساعة البياض برقصات الرؤى وتاريخ الدوائر المثقلة بقلق الأسئلة الوجودية الكبرى. لوحات هيلدا حياري مبطنة بسؤال الشعر والفلسفة والوجود،لا تتصالح مع خرافتها إلا بعد زلزال في الذات المبدعة يسفر عن متخيل ماكر، ومتنكر برسائل قصيرة للحياة تصنعها عين فنانة مدربة على محاورة الكائنات، والتقاط التفاصيل الصغيرة من مجرات الكون. بمؤانسة الذاكرة،وإمتاع الفن ،تعبر لرحيل وليمة بلا خرائط.عتمات تفضي لعتبات منسية،أبجديات لها حدود مع قلق القلب تستل سلالتها من عبق المخيلة. دوائر ممتلئة بانفعالات أنيقة تروض شراسة السواد لتراهن على مخابئ صغيرة في أقصى حديقة في القلب،تحتمي فيها الذات من عواصف الحزن والشجن،على اعتبار أن الفن في عمق كينونته عزاء الإنسان وحاسته القوية في مواجهة الخراب والخواء معا. إن الفنانة هيلدا حياري تنحت مسارها الجمالي والفني بعشق فادح، وصمت فظيع، لتجعل من المتلقي منفيا في أرخبيلات ألوانها وعوالمها التخييلية، مندهشا بقدرتها على اختراق العتمة بضوء يليق بفسحة القلب ونشيد الروح محروسا بألفة شاسعة. بغبطة مسكونة بالفرح الطفولي المبتهج بملح الذكريات وسير الافتتان. لوحاتها قبيلة ألوان، وغابة خيال، سلالة دوائر لا تنقرض، سفر مفتوح على كل احتمالات الجنون والألق. انبهار لخرائط العالم الداخلي المشرع على جغرافية البياض، فخاخ نيئة لاصطياد نبض الحياة، مساءلة محيرة للكائنات بقلق وجودي عنيف. هيلدا حياري حارسة في فلوات اللون تنصت خلسة لرقصات الضوء المتعب في مرفأ الذاكرة. لوحاتها صلوات نقية، مشاكسة، مفعمة بفرح ملائكي صغير يعشش عميقا في معابد الذاكرة، مديح مثقل بأناشيد الظل وترانيم العتمة الآيل لطقوس جمالية تستعيد بهاء الحياة بالتوزيع الفضائي للحلم واللون والرؤية والخيال في آن معا.لوحات تنتهك حقوق الظلال لتخلق دوائر تشبه الألق، أو تحرض على القلق. تدرجات لونية تشي بخصوبة متخيل الفنانة التي تدرك جيدا تقنية توزيع جماليات فضاء اللوحة بمشاغبة يتلبسها المحو، و ينهشها النسيان، تشاكس الفنانة هيلدا حياري دعابات العتمة،حيث الظل منتشيا بعزلة تتخلى بهدوء لخيانات يحزمه الضوء برحيله الآسر لكهوف الدوائر، حيث الغياب منتزه، و السفر في جنان الروح حلم تؤثثه لذائد اليد اليمنى التي ترسم قدرها على التماس، وطفولتها البهية على السند التي تفجر دهشة الحنين، ناضجة، مثمرة، عبور لتضاريس تتوحد في فتنة الغبطة. تدفقات تشعل في الذاكرة البصرية عنفوان ألقها، وأنت مهيأ لصداقة محتملة مع لوحتها المشبعة بدوائر صدفية وترسيمات دوارنية تخترق نصاعة البياض بألوان منسابة، متدفقة، تسيل من شقوق المخيلة كشلالات هادرة.