جلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي كانت مقررة أمس (الخميس)، لم تحدث أي خرق في جدار الأزمة الرئاسية كما كان متوقعًا، مما استدعى تأجيلاً جديدًا إلى الثامن من فبراير (شباط) المقبل، مع غياب أي بارقة أمل في إنجاز هذا الاستحقاق الذي «بات في الثلاجة» بحسب رأي رئيس مجلس النواب نبيه بري، بفعل احتدام الصراع الإقليمي، خصوصًا بعد قرار السعودية وعدد من الدول العربية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد. ولا يزال موقع رئاسة الجمهورية شاغرًا منذ 25 مايو (أيار) 2014، مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك بفعل مقاطعة نواب تكتل التغيير والإصلاح، برئاسة النائب ميشال عون ونواب حزب الله، لجلسات انتخاب الرئيس، مما يفقد الجلسات النصاب القانوني الذي يفرض حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب، أي 76 نائبًا. ويعود سبب المقاطعة إلى اشتراط المقاطعين انتخاب عون رئيسًا للجمهورية دون سواه. ومن مقر مجلس النواب في وسط بيروت، اعتبر رئيس الحكومة الأسبق ورئيس كتلة المستقبل النيابية، فؤاد السنيورة، أن «اللبنانيين باتوا على علم بمن يقف حائلا دون تمكين المجلس النيابي من تحقيق النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس للبلاد». وعن مصير الحوار الثنائي بين تيار المستقبل وحزب الله، بعد كلام رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد الذي هدد فيه رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وحذره من العودة إلى لبنان، قال السنيورة: «الحوار في منتهى الأهمية، ويجب أن يكون هاجس الجميع، علينا خفض منسوب التوتر والعودة إلى التعقل في الطرح وعدم الانزلاق من خلال التفوه بعبارات ودعوات تؤدي إلى ارتفاع حدة التوتر بل إلى ذهاب العقل». وأضاف: «منذ فترات طويلة هناك من يحاول تخريب عقول اللبنانيين، وهذا ما شهدناه في عملية انتخاب رئيس للجمهورية، وفي مسائل بسيطة ومهمة جدا منها موضوع النفايات وما يتعلق بالتشنج المذهبي الذي لا يصب استمراره في مصلحة أحد على الإطلاق، لذلك يجب الدعوة مجددا إلى التهدئة في هذا الشأن». ونقل وزير الداخلية نهاد المشنوق عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، إثر زيارته الأخيرة في عين التينة «أهمية تفعيل العمل الحكومي وضرورة الحوار، رغم كل العواصف الكلامية التي نمر بها». وأكد المشنوق أن «الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي يجب دائمًا أن نرجع إليها رغم كل الظروف المحيطة بنا سواء داخل لبنان أو خارجه». وقال: «إن شاء الله من الآن إلى يوم الاثنين المقبل يكون الجو إيجابيا ويسمح بإتمام الحوار، لأن رغبة الرئيس (سعد) الحريري أيضًا هي رغبة تهدئة وليس رغبة تصعيد في مسألة الحوار». بدوره اعتبر وزير الاتصالات بطرس حرب أن «البلاد لم تعد تتحمل غياب رئيس الجمهورية». وقال: «مصالح الناس متوقفة، لأن مجلس الوزراء معطلاً، وكذلك مجلس النواب، ولا يوجد رئيس للجمهورية». ورأى أن «البلاد لا تستطيع الاستمرار مع تعطيل المؤسسات»، محملاً المسؤولية الكاملة للذين يعطلون انتخاب رئيس الجمهورية. وردًا على سؤال عن تفعيل عمل الحكومة، قال: «إذا كان تفعيل عمل مجلس الوزراء على حساب انتخاب رئيس الجمهورية، فأنا ضد هذا التفعيل، نحن نريد أن نفعل مجلس الوزراء، لكن يجب أن نتابع مساعينا مع القوى السياسية المتخلفة عن الحضور إلى مجلس النواب ليتوافر النصاب لانتخاب رئيس». واتهم عضو كتلة المستقبل، النائب أحمد فتفت، حزب الله بتعطيل الانتخابات الرئاسية، لأنه يريد وضع شروط سياسية تعجيزية تمس النظام، ويسعى لفرض قانون انتخابات يلائمه، ليصبح من خلاله مسيطرا على المؤسسات. وقال فتفت، إثر زيارته متروبوليت بيروت وتوابعها لطائفة الروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة: «بكل وضوح وصراحة نشعر أن حزب الله يريد أن يأخذنا إلى نظام الحزب الواحد، وإلى المنطق الشمولي الذي أوصل إلى ما أوصل إليه العراق وسوريا وبلاد أخرى»، مشيرًا إلى أن «هذا الحزب المتحكم وصاحب الإصبع المرفوع، وصل به الأمر إلى توجيه عدد كبير من الشتائم، كما استمعنا إلى كلام النائب محمد رعد، والكلام التهديدي الخطير جدا الذي لم نعتد عليه في حياتنا السياسية وعلاقاتنا بين اللبنانيين». أما مجلس المطارنة الموارنة، فأكد في بيان أصدره، إثر اجتماعه الشهري في بكركي برئاسة البطريرك بشار الراعي، أن «لبنان يحتاج إلى حوار عميق، بسبب الأزمة السياسية التي تفكك الدولة، والتي لم يعد ينطلي على أحد ما يعتمل فيها من عناصر هي امتداد للصراع القائم في المنطقة». واعتبر أن «المدخل إلى هذا الحوار يكون بالتقيد بأحكام الدستور والميثاق الوطني في انتخاب رأس للدولة، مما يحصنها في وجه الانهيار الذي يهددها»، مؤكدا أن «استمرار الإبطاء في إتمام هذا الواجب الدستوري، يفسح المجال لتفسيرات لا تقف عند حد التأزم السياسي والصراع بين فريقين، بل تصل إلى حدود التساؤل عن مرامي هذه الأزمة، فيما يتعلق بمستقبل الجمهورية ومصيرها». وأضاف مجلس المطارنة: «ليس لأحد مصلحة في اللعب بمصير الجمهورية، في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ المنطقة والعالم، ولذلك لا بد من التعامل بجدية مع أي مبادرة في هذا الشأن».