×
محافظة المنطقة الشرقية

54 شخصًا تعرفوا على معراج النجوم دليلك إلى السماء في بريدة

صورة الخبر

(جانب الدائرة) هو ديوان شعر صدر حديثا للعام الحالي 2016 عن (دار الفارابي) للنشر ببيروت، للشاعر فيصل أكرم. ويقع هذا الديوان في 116 صفحة من القطع الصغير, وقد ضم 15 نصا شعريا, جاءت موزعة تحت ثلاثة عناوين متتالية هي: (جانب الدائرة) و(على جانب الدائرة) و(الدائرة من جوانب أخرى). ومما يتضح لمتصفح الديوان أن الشاعر هنا قد جعل من (الدائرة) محورا وهميا أساسيا تدور حوله, أو في فلكه جميع أفكار نصوصه , أي أنه محور نفسي معنوي, يستشعر وجوده من حوله, لكنه شيء (لا محسوس) يفترض وجوده ويتخيله, حتى وان لم يدركه حسيا! وهذا بدليل (تدوير النصوص) تدويرا معنويا, مفرغا من (الشكل) أي جعلها تدور في فراغات أو فضاءات لا نهاية محددة لها, بحيث لا يمكن حصر الحدود, أو المحيط أو الحيز الذي تدور فيه بقالب شكلي هندسي معين: دائرة, قوس, خط مستقيم, منحنى, نقطة, مربع ...الخ. ومن هذا الاستقراء المبدئي الذي يلاحظه القارئ, بمجرد أن يتجاوز مسمى الديوان على غلافه الخارجي إلى حيث نصوصه وولوجها سيجد – بالفعل – أن الدائرة ليس من الضرورة أبدا أن يكون المقصود بها - كلفظ أو مفردة – ذلك الشكل الهندسي المعروف, المكون من (360 درجة) كأبسط تعريف له, وهو أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ فهمه ,وإنما الأصح أن الشاعر يقصد بها (الدوران) عموما ومترادفاته اللغوية, ومدلولاته الأخرى المشتقة – أساسا – من الجذر الأصلي لهذه الكلمة, أي انها قد تعني الحركة أو الانتقال, أو القدرة على الانعتاق, أو التحول من حال إلى آخر, عبر آفاق مرنة, وفي جهات شتى, لكون مادة النصوص ترتكز على (المضمون) الدوراني, وليس على شكله أو هيئته الخارجية وأبعادها الهندسية. وأعتقد أن شاعر الديوان قد أجاب بنفسه على ما كان يتوقعه من تساؤلات محتملة وواردة من قبل القراء حول ما يقصده بعنوانه (جانب الدائرة), وكأنه سبقهم بالإجابة قبل السؤال. وقد جاء ذلك في (الاستهلال) الذي وضعه الشاعر كفاتحة لديوانه, تصدرت الصفحة الأولى منه, إذ يقول: “هل قال أحد أن الدائرة اسم من أسماء الحياة ؟ هل قال أحد إنها من أسماء الحرب؟ من أسماء الدرب؟ من أسماء القلب؟ لست أدري, ولكن أحدا لم يقل لي: تجنب الدائرة. أو: كن على جوانبها, فكنت...). بل إن الشاعر نفسه – فضلا عن ذلك وزيادة في الإيضاح – قد فسر (الدائرة) وما تعنيه بالنسبة إليه على الأقل, وبما لا يدع مجالا للشك تفسيرا لا يخرج بها عما ذكرته آنفا, وكأنه يؤكد على ذلك للقارئ, كي لا يذهب تفكيره إلى غير ما لا يقصده تماما, وذلك حين يقول في أحد نصوصه: (هذي القلوب رحيمة بك, لا تغامر في خروجك من دوائرها بعيدا حيث لا ذكرى هناك ولا سواك. إذا تضيع , يقول (أينك)..؟!) . الديوان:ص34. إذن هنا في قوله: (...في خروجك من دوائرها....) يتضح بعثرة كلمة (دوائرها) معنويا لا حسيا , لتتجاوز شكلانيتها (الدائرية) بمفهومها الهندسي إلى حيث فضاء أو فراغ لا محدود, وغير محدد بإطار أو هيئة ذات أبعاد معينة, بدليل استطراده لوصف حالة هذا (الخروج) بشكل يوحي بالانعتاق والتحرر والانطلاق من حيز منغلق إلى فضاء لا نهائي كقوله: (بعيدا, حيث لا ذكرى هناك , ولا سواك , إذا تضيع...). وأخيرا أقول: إن (دوائر) هذا الديوان قد كشفت لنا عن شاعر جميل, ذي لغة شعرية تحاور قارئها حوارا مجازيا, يفضي به إلى حيث اكتشاف جماليات النص الشعري, وما بين سطوره واكتناهها, ولا يكتفي بالوقوف من مفرداته وتراكيبها موقف من يتشبث بالقشور دون البذور!!