تعد المملكة العربية السعودية من أحرص دول العالم تمسكًا بالعهود والمواثيق الدولية التي تسعى إلى حماية حقوق الإنسان، ليس ذلك من أجل أداء الالتزام الواجب عليها نحو هذه الحقوق فحسب، وليست من المجاملات الدبلوماسية، ولا من مبدأ المعاملة بالمثل، وإنما هذا الحرص يأتي من باب أن هذه الحقوق التي تأسست عليها المواثيق الدولية سبقت إليها الشريعة الإسلامية بقرون طويلة، ورتبت الشريعة الإسلامية الثواب والعقاب بحسب التزام الفرد والجماعة بهذه الحقوق، فهي إذا تعد أمرًا مهمًا من عقائد الإسلام التي يجب الإيمان بها والالتزام بها، وعدم مخالفتها، ومن تلك الحقوق حق الإنسان في حماية حقوقه أثناء سير محاكمته، فأكدت الشريعة على حماية الإنسان من الاعتداء على كرامته وإنسانيته وعدم امتهانها، أو الحط من قدرها، أيًا كان هذا الإنسان بغض النظر عن ديانته وعرقه وجنسيته، فالإسلام ينظر بعين العدل والمساواة. ومن هنا فقبول أي معلومة مما يعكر سجل الفرد أمام سلطات الدولة منوط بما ينتج عن مرحلة الفحص والتحقق والتثبت والتبيُّن، وهنا تبدأ رحلة الرقابة على أعمال الاستدلال التي تجريها أجهزة العدالة، وذلك من قبل جهة مستقلة تمامًا عن أجهزة السلطة، وهي «هيئة التحقيق والادعاء العام» لتقوم بدورها الأساسي في التأكد من صحة تلك الأعمال ومدى مطابقتها لأنظمة العدالة، وإلا حكم عليها بالبطلان ليس عليها فقط، بل يمتد هذا الجزاء ليصل إلى الآثار والنتائج، ولتتأكد الهيئة أيضًا من حصول المتهم على كل الضمانات التي تكفل حقه في الحماية من اعتداء السلطات العامة على حقوقه، فمن حق المتهم على سبيل التمثيل أن يطلع على حيثيات اتهامه وأسبابه، ومن حقه أن يطعن في أي إجراء من إجراءات التحقيق يرى أن فيه اعتداء على حقوقه، وكذلك حقه في توكيل من يترافع عنه ويحضر معه كافة مراحل التحقيق، إذ إن محامي المتهم هنا يقوم بدورين أساسيين، الأول الدفاع عن موكله طيلة مراحل التحقيق والمحاكمة، وتبيان موقف موكله أمام أجهزة العدالة، وأمام القضاء، والدور الثاني التأكد من أن موكله حصل على كامل حقوقه التي كفلها له النظام، وحمايتها من التعدي. كما أن أنظمة العدالة من جهة أخرى أكدت على مراقبة السجون، ومتابعة الموقوفين، ولم يتوقف الأمر على ذلك بل أوجبت على كل علم بوجود مسجون أو موقوف بصفة غير مشروعة أن يبلغ عنه. وبالعودة إلى ملف المتهم بعد اكتمال مرحلة الاتهام نجد أنه ينتقل إلى حوزة سلطة مستقلة تماما عن سلطة التحقيق، وهي سلطة القضاء، والقضاء في المملكة يحظى باستقلال تام ومطلق، ولا سلطان عليه بغير سلطان الشريعة الإسلامية، وفي هذه المرحلة يقوم القضاء بالتأكد من سلامة الإجراءات التي سبقت المحاكمة، ويشترط القضاء السعودي في أحكام (القتل، الرجم، القطع) والتي نحن بصدد الحديث عنها توفر عدد معين من القضاة لا يقل عن ثلاثة في جولة المحاكمة الأولى «الابتدائية»، ويسند لهؤلاء القضاء النظر في سلامة مجريات التحقيق، وفي الضمانات التي تم توفيرها للمتهم من قبل أجهزة العدالة أثناء أعمال الاستدلال وأثناء التحقيق، ولهذه المحكمة حق التكييف النهائي للواقعة الجرمية. وتجري المحكمة في هذا الشأن تحقيقها النهائي لتصل إلى تكوين عقيدتها النهائية وقناعتها نحو إثبات الإدانة أو ردها، ولمحامي المتهم حق الترافع عن موكله أمام هذه المحكمة، والدفع بالطعن في أية إجراءات من إجراءاتها أمام المحكمة ذاتها، أو يطلب تدقيق الحكم الابتدائي من محكمة أعلى درجة، ليأتي دور الجولة الثانية لمحكمة الاستئناف فقضاة كل دائرة لا يقل عددهم عن خمسة قضاة تدقق الأحكام التي صدرت عن المحكمة الابتدائية، وتدقق في صحة الأوصاف الجريمة، وسلامة الأحكام التي أصدرتها المحكمة الابتدائية من كل شائبة، فقد يصدر حكم الدائرة بنقض حكم قضاة الدرجة الأولى، ومن ثم إعادة محاكمة المتهم أمام قضاة آخرين، وقد يستدعي الأمر تصدي قضاة الاستئناف للحكم مرة أخرى، وللدائرة التأكد من توافر كامل حقوق المتهم التي كفلها له النظام وضمانة عدم الاعتداء عليها. ثم ينتقل ملف المتهم إلى جولة ثالثة داخل أروقة القضاء «المحكمة العليا» ليقول كلمته الأخيرة بشكل نهائي وبات، فتشكل للحكم دائرة لا يقل عددها عن خمسة من القضاة لعرض الحكم على قواعد الشريعة الإسلامية، ومدى موافقته لها، وخلوه من الموانع. وينبغي أن نعلم أن المنظم في المملكة يشترط أوصافًا معينة وأعمارًا محددة تتوفر في قضاة كل درجة من درجات السلك القضائي. وبعد كلمة القضاء النهائية ينتقل الحكم إلى مرحلة مستقلة تمامًا عن المراحل السابقة وهي مرحلة التنفيذ، حيث يُستأذن فيها خادم الحرمين الشريفين المرجع الأول لكل السلطات «السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التنظيمية» في تنفيذ الحكم، الذي يستأنس بدوره بآراء مستشاريه المختصين بالشأن الشرعي والشأن النظامي ليس لينظروا في سلامة الأحكام القضائية، وإنما لينظروا في سلامة سير الإجراءات التي اكتنفت الحكم بدء من مراحله الأولى «مرحلة الاتهام» وصولاً إلى مرحلة المحاكمة، ومن ثم ظروف التنفيذ. في مرحلة التنفيذ أكدت المملكة على اتباع عدة إجراءات تهدف إلى حفظ حق الجاني في عدم تعريضه للامتهان أو تعريضه للتعذيب، وحقه في كتابة ماله وعليه من حقوق «الوصية» بحضور جهة التوثيق، كما أن التنفيذ لا تنفرد به جهة واحدة بل توجب الأنظمة حضور عددًا من الجهات وقت التنفيذ للرقابة على سلامة إجراءاته. كل هذه الإجراءات لا ينبغي أن يفهم منها تعمد إطالة أمد المحاكمة بقدر ما يفهم منها أن النظام في المملكة كغيره من نظم العالم يسعى إلى إعطاء القضاء وقته للوصول للحقيقة كما وقعت، والتأكد من حصول المتهم على جميع حقوقه المقررة شرعًا ونظامًا، وأن الأحكام التي صدرت بحقه متناسبة مع الجرم الذي وقع منه، من غير إسراف ولا تفريط، والأهم من ذلك موافقة الأحكام الشريعة الإسلامية، ومن أن التنفيذ يتم بطريقة خالية من العنف والتعذيب وموانع كرامة الإنسان. هذه هي الطريقة التي سارت عليها أجهزة العدالة والقضاء في تقديم المفسدين السبعة والأربعين من البغاة والمحاربين لساحة التنفيذ، تحقيقًا لمصلحة الجماعة، ولتحقيق أسباب الأمن، وإرساء لقواعد التشريع الإسلامي، وأداء ما التزمت به المملكة أمام المجتمع الدولي نحو اتفاقيات مكافحة الإرهاب. رابط الخبر بصحيفة الوئام: العدالة الناجزة