تحت عنوان «الحمار»، استضافت قاعة مصر للفنون في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان رضا عبدالرحمن. وكما يبدو من العنوان، «الحمار» ثيمة المعرض الرئيسة التي لا تخلو منها لوحة من اللوحات المعروضة، كما سيطر بوجوده أيضاً على فضاء القاعة، على هيئة مجسمات نحتية ملونة. الحمار هنا ليس قيمة جمالية وعنصراً بصرياً من عناصر الطبيعة وظفه الفنان في أعماله المعروضة فقط، بل ثيمة محملة أيضاً بكثير من الدلالات ذات الخلفية التاريخية والدينية والاجتماعية، خصوصاً أنه حيوان، ارتبط وجوده بالفلاح المصري منذ القدم، إذ إن ثمة إشارات على هذا الارتبـــاط في كثير من البرديات والرسوم الجدارية التي تركها المصريون القدماء. والحمار عبر التاريخ، هو حامل الأثقال وشريك الأسفار والترحال، ودينياً ارتبط الحمار بالصورة التقليدية المتداولة (لرحلة العائلة المقدسة). أما على المستوى الإجتماعي، فالحمار دائماً مرتبط في المخيلة الشعبية في العديد من الثقافات بالغباء وسوء التقدير، فهو وفق الفهم الشائع وصف يراد به التسفيه من عقلية الشخص والتقليل من قدراته ومكانته. كل هذه المرجعيات لم تغب عن مخيلة الفنان رضا عبدالرحمن حين قرر رسم الحمار واستخدامه كثيمة في لوحات معرضه، فإن كانت السمة الغالبة هي سمة التعاطف مع هذا الحيوان، إلا أنه قد حمله كذلك بكثير من الأفكار والرؤى، فالحمار هو شريك للرجل والمرأة على حد سواء داخل اللوحات، جزء من العائلة، بل ربما يكون مقابلاً للزوج أو الحبيب حين يتخذ شكلاً بشرياً أو تتداخل خطوطه الخارجية مع الخطوط المحددة لجسد الرجل أو المرأة. السمة الغالبة في أعمال الفنان رضا عبدالرحمن هي استلهامه المباشر لمفردات الحضارة المصرية القديمة: النجوم ذات التراكيب الزخرفية، والصياغات ذات الهيئة الفرعونية للأشخاص، ودرجات اللون المستخدمة، وهناك سمة أخرى تتميز بها أعماله، درجة الشفافية الغالبة على تلك الأعمال، فهو يرسم كمن يضع طبقات فوق بعضها بعضاً، طبقات متفاوتة في درجة الوضوح والشفافية. يلعب الخط هنا دوراً كبيراً في تأكيد تلك المراوحة بين الطبقات، فهو يمثل عامل ربط في ما بينها ووسيلة يستخدمها الفنان في التأكيد على عناصر بعينها أو تحييد أخرى حتى داخل العنصر الواحد، وحين يرسم الأشخاص أحياناً ما يؤكد على الوجه فيوليه اهتماماً في المعالجة، مع التأكيد على النسب الصحيحة والخطوط المدرسية، بينما لا نجد هذا الاهتمام نفسه بالنسبة الى بقية أجزاء الجسد التي قد يكتفي أحياناً كثيرة بتحديد الخطوط الخارجية لها. أما في استخدامه لدرجات اللون فالغالب هنا للدرجات المبهجة، هذه البهجة التي تنسحب أيضاً على مجسماته النحتية التي وضعها الفنان في فضاء القاعة، والتي توحي هيئتها كأنها خارجة من داخل المساحات المرسومة، وإذ يبدو أنه قد استعان بها كموديلات أو نماذج أثناء عمله. معرض الحمار يمثل في جزء منه تحدياً في التناول الجمالي لعناصر الطبيعة، إذ عادة ما يتجه تفكير المصورين عند استلهام الطبيعة ناحية عناصر بعينها، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بالحيوان والطير، ونادراً ما يبحثون عن هذه العناصر الملهمة خارج الإطار المتعارف عليه أو المتداول. غير أن أعمال رضا عبدالرحمن تحتفي هنا بالحمار على نحو بالغ الوضوح، في تأكيد على قيمته كعنصر جمالي يحمل أيضاً الكثير من الدلالات والإيحاءات، وهي إيحاءات بعيدة بالطبع من مكانته التقليدية في الأذهان كمرادف للغباء وعدم الفهم. رضا عبدالرحمن يعيش ويعمل في القاهرة، من مواليد عام 1966. تخرج في الفنون الجميلة في القاهرة وحصل على درجة الماجستير والدكتوراه من الكلية ذاتها. شارك بأعماله في العديد من المعارض داخل مصر وخارجها، وأقام لأعماله عدداً من المعارض الفردية من بينها «عيون فرعونية»، «أساطير» و «أنا في الثورة».