في السادس من كانون الثاني/ يناير 2016، أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية جديدة، هي الرابعة لها في غضون عشرة أعوام. هناك إجماع على أن معاهدة حظر الانتشار النووي تعتبر أحد أكثر الصكوك الدولية احتراماً والتزاماً من قبل الدول المختلفة، وهي تلعب دور الضمانة للأمن الجماعي العالمي. بيد أن المعاهدة قد عجزت، على الرغم من ذلك، عن منع كوريا الشمالية، كما تايوان وجمهورية جنوب أفريقيا قبل ذلك، من السعي في يوم ما لامتلاك سلاح نووي وجاء الإعلان الكوري بعد رصد زلزال بلغت شدته 5.1 درجات بالقرب من موقع معروف للتجارب النووية. وقال بيان رسمي إن التجربة كانت لقنبلة هيدروجينية. وإذا ثبت ذلك، فسوف تمثل التجربة الجديدة تطوّراً كبيراً في قدرات كوريا الشمالية التسليحية. وجاء الإعلان الجديد عن القنبلة الهيدروجينية مفاجئاً للمجتمع الدولي، وكان الاعتقاد السائد بأن كوريا الشمالية في مقدورها إجراء تفجيرين نوويين، واحد باستخدام البلوتونيوم كي تزيد إتقانها على تصميم رأس حربي، وآخر باستخدام اليورانيوم عالي التخصيب. وقد استخدم الكوريون البلوتونيوم في التجربتين الأولى والثانية. وليس من الواضح، حتى اللحظة، ما إذا كانت التجربة الثالثة قد اعتمدت البلوتونيوم أيضاً، أو جرت باليورانيوم عالي التخصيب. وقد ذكرت تقارير صحفية قبل عدة أعوام بأن كوريا الشمالية باتت تنتج غازاً ضرورياً لتخصيب اليورانيوم، ما يعني أنها ومنذ مطلع التسعينيات لا تعتمد على البلوتونيوم فقط في إنتاج السلاح النووي. ويعتقد أن لدى كوريا الشمالية ما يكفي من البلوتونيوم لصنع حوالي ثمانية أسلحة نووية. ويُمكن أن يكون ذلك بديلاً عن اليورانيوم عالي التخصيب. وأجرت كوريا الشمالية تجربتها النووية الثالثة في الثاني عشر من شباط/ فبراير 2013. وكانت التجربة الأولى قد جرت في التاسع من تشرين الأول /أكتوبر 2006، والثانية في الخامس والعشرين من أيار/ مايو 2009. وقد رد مجلس الأمن الدولي، في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2006، على التجربة الكورية الأولى بإصدار القرار الرقم (1718)، الذي طالب كوريا الشمالية بتعليق "كل أنشطتها المتصلة ببرنامجها للصواريخ الباليستية"، والتخلص من "أسلحتها النووية، وبرنامجها النووي، بشكل كامل". وجاء هذا القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إنما بموجب المادة (41)، التي لا تشير إلى اللجوء للقوة العسكرية. وأياً يكن الأمر، فإن البيئة الاستراتيجية في شبه الجزيرة الكورية تتصف اليوم بنمط غير مستقر من توازن القوى، كما يستتبع ذلك شكل غير مستقر للردع. وهنا تحديداً مكمن الخطورة، في بيئة الأمن على صعيد الدولتين، كما الأمن الإقليمي عامة. إن السلم الكوري الهش قد يتهاوى ليغرق شبه الجزيرة الكورية في حرب تقتل الملايين، بكل ما يفتحه ذلك من احتمالات توريط دول مثل الصين واليابان بشكل قد يؤدي إلى حرب نووية. ومن بين أكثر المناطق إثارة للمخاوف في العالم ربما تكون المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين أكثرها تهديداً على الإطلاق، وذلك بالنظر للحجم الهائل من السلاح وقوة النيران المعبأة على جانبيها. والواضح أن التجهيزات الأميركية ربما تستطيع السيطرة على تجهيزات كوريا الشمالية في أي قتال. بيد أن الميزة الكبيرة لهذه الأخيرة هو الحجم الضخم لقواتها، فهي تستطيع اجتياح الحدود بأمواج متعاقبة. واتجهت كوريا الشمالية مبكراً لتنشيط برنامجها النووي، معتقدة أنه الطريق الأنجع لإثبات وجودها، في عالم بدت معزولة عنه. ويعود تاريخ هذا البرنامج إلى خمسينيات القرن العشرين. وفي العام 1985، أعلنت الولايات المتحدة لأول مرة بأن لديها معلومات تفيد بأن كوريا الشمالية قد بنت مفاعلاً نووياً سرياً في "يونغ بيون"، على مسافة 60 ميلاً شمال العاصمة بيونغ يانغ، وأن الهدف منه إنتاج مواد انشطارية. وقدم الأميركيون بعد ذلك لكوريا الشمالية قرائن تثبت تشييدها مفاعلين جديدين لأغراض عسكرية، ما أفرز حالة توتر قصوى مع إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، تمت تسويتها في اتفاق العام 1994، المعروف باتفاق "ماركو". وهناك إجماع على أن معاهدة حظر الانتشار النووي تعتبر أحد أكثر الصكوك الدولية احتراماً والتزاماً من قبل الدول المختلفة، وهي تلعب دور الضمانة للأمن الجماعي العالمي. بيد أن المعاهدة قد عجزت، على الرغم من ذلك، عن منع كوريا الشمالية، كما تايوان وجمهورية جنوب أفريقيا قبل ذلك، من السعي في يوم ما لامتلاك سلاح نووي، كما أنها لم تتمكن من وقف الاستخدام العسكري للطاقة النووية في كل من إسرائيل وباكستان والهند. وفي العالم الثالث دول تصنف على أنها قريبة من العتبة النووية كالبرازيل والارجنتين وجنوب أفريقيا، أي أنها قادرة على إنتاج القنبلة النووية لو تحللت من القيود السياسية، أو لنقل الالتزامات الدولية في هذا الشأن. وهناك سببان أساسيان لمعارضة القوى الكبرى للانتشار النووي: أولاً، لأن القنبلة الذرية هي السلاح الوحيد ذو القوة التدميرية الهائلة الذي يكلف الحصول عليه جهدا صناعيا محدودا. وثانياً: إن الحاجز النفسي بين الأسلحة النووية والتقليدية يبقى ضخما رغم ازدياد القوة التدميرية للأسلحة التقليدية الحديثة. ويبلغ عدد الرؤوس النووية، الاستراتيجية والتكتيكية، في العالم حوالي 20500 رأس نووي. وتمتلك الولايات المتحدة الأسلحة النووية منذ العام 1945، وروسيا منذ العام 1949 وبريطانيا (1952) وفرنسا (1960) والصين (1964) والهند (1974) وإسرائيل (1979) وباكستان (1998) وكوريا الشمالية (2006). ولا تختلف الأسلحة النووية التكتيكية غالباً عن النووية الاستراتيجية سوى من حيث وسائط النقل. ولدى كل من الولايات المتحدة وروسيا 500 جهاز لإطلاق الصواريخ براً، وأكثر من 100 أداة حمل من القوة الاستراتيجية الجوية والبحرية. أما فرنسا وبريطانيا فتحافظان على آلية قوة استراتيجية ثنائية، أي بحراً وجواً أو بصورة مفردة. وهما دولتان نوويتان استراتيجيتان. ومن ناحيتها، تتخلف الصين عن فرنسا وبريطانيا على هذا الصعيد، لكنها تعتبر الدولة الثالثة في العالم التي تمتلك صواريخ باليستية عابرة للقارات، إضافة للولايات المتحدة وروسيا. وبالعودة للوضع الكوري ذاته، هناك ثلاثة لاعبين أساسيين في التخطيط الغربي الخاص بهذه الأزمة، وهم: كوريا الجنوبية، التي تتقاسم الهوية الوطنية مع الشمال، والولايات المتحدة، التي تعتبر ضامناً رسمياً لأمن كوريا الجنوبية، واليابان، ذات الصلات الأمنية القوية مع واشنطن. وقد قابلت الولايات المتحدة التحدي الكوري الشمالي بمستويات مختلفة من المعالجات، كان أبرزها إطلاق المحادثات السداسية، ودفع الصين لتحمل مزيد من المسؤولية حيال حلفائها في بيونغ يانغ، ودعوة كوريا الجنوبية لتوخي أي سياسة من شأنها استفزاز الجار الشمالي. كما عرضت واشنطن في سنوات سابقة مبادرات لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية في كوريا الشمالية. كذلك، تلتزم الولايات المتحدة حالياً بمظلة نووية تجاه كوريا الجنوبية. وكانت هذه الأخيرة تحتضن أسلحة ذرية أميركية حتى العام 1991، عندما جرى سحبها، على خلفية سقوط الاتحاد السوفياتي، وتبدل المشهد الجيوسياسي الدولي. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت، قبل عام من الآن، بأنها ستعزز تواجدها العسكري في كوريا الجنوبية، من خلال نشر كتيبة مدرعة إضافية، مكونة من 800 عنصر، مع آلياتهم. وينشر البنتاغون نحو 28.5 ألف جندي في كوريا الجنوبية، وتقضي معاهدة التحالف أن يقود الجنرال الأميركي، الذي يعمل على رأس القوات الأميركية في كوريا الجنوبية، 640 ألف عنصر في الجيش الكوري الجنوبي، في حال اندلاع حرب مع كوريا الشمالية. وتحتفظ الولايات المتحدة، في كوريا الجنوبية، بدبابات من طراز (M-1 Abrams) و(M-2/M-3 Bradley ) و(M-109)، ومدافع حديثة متنوعة. كما تحتفظ بمروحيات حربية من طراز (AH-64 Apache) و(CH-47 Chinook) و(UH-60 Black Hawk ). وصواريخ دفاع جوي من طرازي (MIM-104 Patriot) و(FIM-92A Avenger). من جهة أخرى، سعت كوريا الجنوبية في السنوات القليلة الماضية لتعزيز قدراتها الدفاعية على نحو كبير، كما أعلنت في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2013، أنها وسعت منطقة دفاعها الجوي، لتتداخل مع منطقة مماثلة أعلنتها الصين، قبل اسبوعين على ذلك. وسوف تؤدي هذه الخطوة أيضاً إلى التداخل مع منطقة الدفاع الجوي اليابانية. وقد جرى، في إطار توسيع منطقة الدفاع الجوي، ضم جزيرتين تقعان جنوبي كوريا الجنوبية، ومنطقة صخرية مغمورة تطالب الصين بالسيادة عليها. كذلك، وطبقاً للخطة متوسطة المدى، التي أعلنتها وزارة الدفاع الوطني في كوريا الجنوبية، قبل سنوات، فإن القوات المسلحة للبلاد سوف تمضي نحو مزيد من التعزيز التكنولوجي والتنظيمي. وتشير الخطة إلى أن أهداف القوات المسلحة الكورية تتمثل، على المدى القريب، في تحسين وسائل الاستطلاع والإنذار المبكر، وبناء نظام القيادة والاتصالات، الذي يُمَكن من اندماج الطاقات والقدرات القتالية، وتقوية قدرات القصف بعيد المدى، وتوسيع القدرات التكتيكية لحماية خطوط النقل الرئيسية، وزيادة التدريب لتنفيذ الاستراتيجيات الدفاعية في الأجواء العالية والمتوسطة الارتفاع. ونصت الخطة على تخفيض عدد القوات المسلحة من 691 ألفا إلى 634 ألف جندي. وهو جزء من الخطة العسكرية طويلة المدى لتخفيض عدد القوات المسلحة إلى خمسمئة ألف جندي بحلول العام 2020. وأياً يكن الأمر، فإن الأمن الدولي يواجه اليوم مزيداً من التهديدات النابعة من الأسلحة النووية، وانتشار التكنولوجيا الخاصة بها على نطاق متزايد، والمطلوب هو مقاربة دولية متوازنة لهذا الأمن، على نحو يغدو أقل اهتزازاً، وهذه مسؤولية عامة مشتركة.