ظهر فيلم سينمائي للمخرج السوري الشهير نجدت أنزور باسم «ملك الرمال»، واختار عرضه في بريطانيا، وعلى رغم أنني لم أشاهد إلا بعض المقاطع حتى الآن، لكن الظروف التي خرج فيها تشير إلى أنه عمل مسيّس أكثر منه فيلماً سينمائياً، وقال أنزور في وصفه للفيلم: «إنه يقدم شرحاً لجذور فكرة الإرهاب الذي انتشر في العالم ومن الفكر الوهابي الذي تسبب في خلق الجماعات العنيفة»، وعلى رغم أن الميليشيات العنيفة التي تقتل الناس وتسفك دماءهم ليست فقط «القاعدة» ولا «داعش»، بل يقابلها نظام مثل النظام السوري الذي هجّر حتى اليوم خمسة ملايين سوري، وقتل ما يفوق 100 ألف، وهدم البيوت والمساجد والكنائس والقلاع التاريخية من دون أن يكون حاملاً لأفكار دينية سلفية سنية متشددة وغيره من الميليشيات الشيعية التي تقتل الناس دفاعاً عن أنظمة ديكتاتورية مثل «حزب الله» وغيره، ما يؤكد أن الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا جنسية. اختار نجدت أنزور أن يدعم النظام السوري الذي هاجمته معظم الأنظمة العالمية بسبب وحشيته، ومن ضمنها السعودية، بوضعه دراما سينمائية صورها على أنها حقائق تنال من مؤسس الدولة السعودية وزعيمها الملك عبدالعزيز، الذي يعرف السعوديون أنه زعيم سياسي عبقري استطاع توحيد أراض من الجزيرة العربية سكنتها مجموعة من القبائل المتناحرة التي كانت تعيش وفق قانون القهر والغلبة، وأنشأ فوقها دولة تسعى للاندماج مع العصر الحديث، وتنهل من أسباب الاستقرار والتقدم ما استطاعت. والذي يقرأ تاريخ توحيد المملكة بمنظار خارج السياسة وخارج قانون القهر والغلبة الذي كان سائداً آنذاك، فهو كمن يقيس الماء بميزان القمح. الفترة التي خاض فيها الملك عبدالعزيز حروب التأسيس، تؤكد أنه كان الرجل المؤهل لتلك الفترة التاريخية ولاستيعاب متغيراتها الحضارية التي كانت في ذلك الوقت غائبة عن سكان هذه المنطقة، والصراع الذي حدث بين الملك عبدالعزيز في استعادة حكم الدولة السعودية ونزع الحكم من آخرين هو صراع سياسي متبادل كان هو قانون ذلك العهد، وليس خيانات أو مؤامرات غربية، والحكومة البريطانية حين وقفت معه ضد المنازعين له من زعماء القبائل وآخرين، كانت تعرف أنه الرجل المؤهل لإدارة حكيمة وقوية. كتب ديكسون في فصل من فصول كتابه «الكويت وجاراتها» وصفاً مدهشاً لمقاومة بعض زعماء القبائل التي ثارت ضد الملك عبدالعزيز في طور تحديث الدولة ولمّ شتاتها، والتي أرادت أن تزلزل أركان الدولة بشطحات ظاهرها ديني وباطنها طمع في الحكم، إذ أرادت نقض المعاهدات وتهديد أمن الجارات مثل الكويت، بحجة تعاونها مع الكفار وسماحها للناس بتدخين التبغ، وأرادت محاربة العراق لأنهم شيعة كفار، واعتبرت أن منع الملك عبدالعزيز محاربتهم خروج عن شرع الله، ما يجيز الخروج عليه. ويذكر ديكسون أيضاً كيف ساعدت القوات البريطانية الملك عبدالعزيز في القضاء على المنشقين، ولم يكن ذلك طمعاً في الثروة، لأن النفط لم يظهر في ذلك الحين، بل لأنها كانت تعرف أنه الرجل العبقري المؤهل لإدارة هذه المنطقة والسيطرة على تناحرها، ما سيوفر لها الاستقرار والتنمية. وفي وقت ضعفت فيه الأطراف الأخرى وفقدت شعبيتها بين الناس، استطاع الملك عبدالعزيز كسب إجماع الناس عليه. هذا التاريخ سجله شهود تلك المرحلة، ليسوا فقط من رجال عبدالعزيز، بل ومن الغربيين الذين توافرت لهم فرصتا وجودهم في المنطقة وعدم انتفاعهم من السلطة، من تقديم تاريخ محايد وجريء. في ظني يجب ألا نغضب لأن مخرجاً سورياً اختار مهاجمة المملكة في فيلم ظنه بعضهم تاريخاً وليس عملاً سياسياً يحمل وجهة نظر معادية، وإن كان فن السينما عوناً لشرح التاريخ الغائب في بعض الأحيان، فعلينا أن نهديهم نحن وعلى طريقتهم فيلماً سينمائياً عن «حزب البعث» الذي حكم سورية بيد من حديد، وتخلله الكثير من المؤامرات والقتل والخيانات والانقلابات المرعبة، حتى انتهت بوصول حافظ الأسد الأب الذي أغلق حلقة الحزب على نفسه، ثم ورّث جمهورية سورية لابنه، الذي قام بدوره بتدميرها وفق منهج إرهابي لا يقل عن إرهاب القاعدة وحشية وعنفاً، فهل كان الأسد صناعة سلفية وهابية إرهابية هو الآخر؟ أم أنه ملك البعث الذي نفذ فلسفة حزب البعث على أنها بعث الناس إلى الموت؟ balbishr@gmail.com