×
محافظة المنطقة الشرقية

«مشاهدات من الجولة»

صورة الخبر

بقلم : د. أمين ساعاتي سررت بالدعوة الكريمة التي وجهت لي من الزميل الدكتور عبيد المطيري عميد كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة القصيم، للمشاركة في الندوة التي تنظمها الكلية، والتي تتناول فيه اقتصاد المعرفة بحوار علمي واسع الأرجاء.   إن مجتمع المعرفة من الموضوعات المهمة التي أصبحت ُتشغل كافة المجتمعات في جميع دول العالم، ولذلك فإن المقام السامي فطن إلى هذا الأمر وأصدر أمراً بتشكيل لجنة يرأسها وزير الاقتصاد والتخطيط، يشترك في عضويتها رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وخمسة من مديري الجامعات، ومساعد وزير التربية والتعليم، لوضع استراتيجية وطنية شاملة للتحول من مجتمع اللامعرفة إلى مجتمع المعرفة.   ولقد سررت بأن وزارة الاقتصاد والتخطيط تقترب من المراحل النهائية للانتهاء من تصميم الاستراتيجية الوطنية التي تخطط لأن يصبح مجتمع المملكة بحلول عام 2030 مجتمعاً معرفياً يستظل بظل اقتصاد قائم على المعرفة.   إن الدواوين والمجالس الشعبية أخذت تطرح مرحلة ما بعد النفط للنقاش العام الذي لم يخف قلقه العميق على مستقبل الأجيال المقبلة.   ولذلك فإن البحث في تنويع مصادر الدخل وفي التنويع الاقتصادي بات يتمحور في كل دماغ من أدمغة كتابنا ومفكرينا، بمعنى أن التنويع الاقتصادي أصبح مطلباً شعبياً ولم يعد وقفاً على النخبة، ولا سيما أننا نقترب من مرحلة ما بعد النفط ونحتاج إلى عدم الاعتماد على النفط، وبناء قاعدة إنتاج مستدامة، وكذلك إحداث زيادة كبيرة في إنتاجية الفرد ورفع العائد من الاستثمار في تنمية الموارد البشرية، وتوفير عناصر دائمة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.   وفي هذه الأيام تتقدم فكرة اقتصاد المعرفة كخيار استراتيجي على كل الأفكار المطروحة.   والواقع أن اقتصاد المعرفة أصبح خياراً حتمياً للدول التي تتطلع إلى اللحاق بركب التنمية والحضارة، ودون الوصول إلى تشكيلات مجتمع المعرفة لا تستطيع الدول أن تنهض وتلحق بركب التنمية والحضارة.   ويقوم مشروع اقتصاد المعرفة على ثلاثة محاور رئيسة تتمثل في التعليم، وأضع تحت التعليم خطا أسود عميقا، لأنه الانطلاقة الأساسية للوصول إلى موانئ مجتمع المعرفة.   والواقع أن التعليم في المملكة في أمس الحاجة إلى إعادة هيكلة، مع ضرورة التنقية واستبعاد كل ما ليس له ضرورة وما ليس بعلم، ودون استبعاد ما يجب أن يستبعد لا نستطيع أن نُرسخ المؤسسة، ونشكل المؤسسات التجارية ونحولها إلى مؤسسات مولدة للمال.   وإذا نظرنا إلى مجتمع المعرفة في الدول الناشئة، نجد أن الثروة البشرية هي المحرك الأساس للثروة الطبيعية، ولذلك فإن تطوير التعليم مطلب ملح على طريق تكوين مجتمع معرفي راسخ ومتين.   أما المحور الثاني من مراحل الوصول إلى مجتمع المعرفة فإنه يتمثل في المعلومات وضرورة نشرها بين كل شرائح المجتمع وتحريم حجبها، وإذا كانت العدالة الاجتماعية مطلوبة لمجتمعاتنا الإسلامية، فإن العدالة في توزيع المعرفة داخل مجتمعاتنا من أهم أدوات تحقيق مجتمع المعرفة، ونؤكد أن نشر المعلومات للمتعلمين الصادقين يؤدي بالضرورة إلى توهج الابتكار وتولد الإبداع لديهم، العلماء الذين وقعت في أيديهم المعلومات استطاعوا أن يتوصلوا إلى أهم النظريات في تاريخ البشرية، بمعنى أن كل الابتكارات في تاريخ البشرية ظهرت بعد أن توافرت المعلومات عند المتعلمين والمبدعين، ويجب أن نسلم بأن كل إنسان في الوجود لديه إمكانات الإبداع والابتكار.   والمحور الثالث الذي يتأسس عليه مجتمع المعرفة هو المرحلة التي تقود إلى اقتصاد المعرفة، وهي مرحلة تطوير العلوم والمعارف وتحويلها إلى فرص تجارية حقيقية عن طريق ما يعرف في اقتصاد المعرفة بريادة الأعمال، وفي حياتنا كثير من الناجحين الذين كانوا رواد الأعمال وتعلموا صحيح العلوم في الجامعات، وبنوا شركات الأموال ثم اتجهوا إلى بناء المنتجعات السياحية لجني الأموال بيعاً وإيجاراً، كذلك اتجهوا إلى إنشاء المكاتب الاستشارية الهندسية، ثم اتجه غيرهم من قوافل الخريجين إلى تأسيس المصارف وبناء المستشفيات والمنتجعات الصحية، وغيرهم أسسوا مكاتب المحاماة في كل مدينة، بل وفي خارج المملكة، والمحاسبون الذين افتتحوا مكاتب المحاسبة والاستشارات القانونية في كل أرجاء الدنيا، وما نريده هو أن يصبح الشعب السعودي كله من رواد الأعمال، لأن الحفنة القليلة جداً لا تكفي لتأسيس مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة.   وهكذا فإن مجتمع المعرفة يعنى باختصار وجود مستويات عليا من الموارد البشرية عالية التأهيل تتعامل وتتفاعل مع آخر ما وصلت إليه تكنولوجيا المعلومات، أي أن الاقتصاد في هذه الدولة ينتج ويوظف المعرفة لتحقيق مزيد من تراكم الثروة.   إن مجتمع المعرفة هو مجتمع الثورة الرقمية الذي تحتل فيه المعلومة والمعرفة مكانة متقدمة تقترن بمزيد من الفتوحات العلمية والإبداعية وتراكم المعرفة.   والإنسان في مجتمع المعرفة يبدو فاعلا نهماً إلى التعليم والثقافة، ومؤسسات المجتمع، تسهر على زيادة الإنتاج وتفعيل آليات التفكير والتجديد والابتكار.   ويجب أن ندرك أن مجتمع المعرفة ليس المجتمع الصناعي التقليدي المعني بإنتاج السلع وتسويقها، وإنما هو المجتمع المنتج للمعرفة الساعي إلى توظيفها ونشرها وتوزيعها من أجل بناء الثروة والدولة.   إن القدرة على مواكبة العلوم والتقنيات الحديثة وتطويرها وتجديدها والإبداع فيها تعنى أننا مجتمع نجح في استيعاب العصر الذي يعيش فيه، أمّا إذا أخفق المجتمع في استيعاب أدوات العصر الذي يعيش فيه، فإن التخلف ينتظره بالمرصاد، ونحن حكومة وشعباً نكره التخلف والتقهقر، بل نحن أمة مسلمة مردت على صنع التقدم والتنوير طوال ما ينوف على ألف عام.   وهكذا عن طريق ريادة الأعمال تخلق الفرص التجارية ويصبح القطاع الخاص المحرك الفاعل في دورات الاقتصاد الوطني.   نقلا عن الاقتصادية