هذا عام القراءة، وسأقرأ لك شيئاً من إلما راكوزا: .... كان يا ما كان، كان هناك صبي مسطح القدمين ويتمنى لو يستكشف العالم. رسم قارات، سككاً حديدية، شوارع وأنهاراً. في يوم من الأيام ارتدى أفضل بناطيله وانطلق في ترحاله. صعد جبالاً ونزل ودياناً، حتى حلّ الظلام، وعندما استلقى متعباً بين العشب، رأى فجأة لساناً مشعاً، بدأ يلعق وجهه.. هل كان يحلم؟ لا، فقد تبللت وجنته: قال دفئني، فنفخ الحيوان في وجهه.. (من كتاب - بحر أكثر -). الكتب تحتاج إلى حقائب، والحقائب تحتاج إلى أكتاف، والأكتاف تحتاج إلى أوسمة ونياشين، وما أجمل أن تتدلى حقيبة من كتفك، وفيها كتاب أو كتابان. كان الشاعر محمد القيسي حمّال حقائب (وحمّال أسى)، وكان مشاءً بامتياز، وما أن يأوي إلى مقهى حتى يقرأ أو يكتب، وكان شعراء أواخر سبعينات القرن الماضي وأوائل الثمانينات يطلقون على حيّ الفاكهاني في بيروت حي الحقائب لكثرة ما فيه من شعراء يحملون الحقائب. ينام الكتاب في الحقيبة ..ويحلم... .. يحلم لو أن الأبطال الذين كتبهم المؤلف باللغة يتحولون إلى أشخاص من لحم ودم وعظم، ويتغيّرون من كائنات لغوية ورقية إلى كائنات لحمية عضلية، ولكن لأن ذلك لن يحدث في الواقع، فإنه يحدث في الخيال، وبالخيال أو بنشاط المخيلة تستطيع القراءة، والقراءة فقط أن تحول ما هو مكتوب إلى ما هو مرئي ومسموع وملموس. القراءة بهذا المعنى فن.. إنها فن تحويل الكتابة إلى نوع من السينما أو الرسم أو المسرح. القارئ مخرج سينمائي إذا اعتبر القراءة فناً، والقارئ رسام ومسرحي وفنان صوت، وفنان إضاءة.. كل ذلك يمكن أن يجري فيما يمكن أن أسميه مطبخ القراءة أو ورشة القراءة، فهو يقرأ مشهداً روائياً صامتاً أو مكتوباً، ولكنه قادر على إخراج هذا المشهد في مخيلته بطريقة مختلفة كلياً عما هو وارد في الرواية لمصلحته هو أي لمصلحة القارئ. في القراءة يتخلى القارئ كلياً عن المؤلف.. يصبح القارئ هو المؤلف من وجهة نظر أخرى تتعلق بثقافة القارئ نفسه، كما تتعلق بقدرته على (تحويل) أو (تدوير) النص المقروء إلى فن آخر. لهذا.. ومرة ثانية وعلى قاعدة القراءة فن، فما أكثر أبطال الروايات وأبطال الشعر وأبطال القصص الذين يخرجون من بين صفحات الكتب وينتظرونا نحن القراء كي نعيدهم ثانية إلى أوطانهم التي هربوا منها.. وهي الكتب. yosflooz@gmail.com