الانخفاض الكبير في أسعار النفط التي تتأرجح في أواسط الثلاثين دولاراً للبرميل في البورصة التجارية في نيويورك بعد أن وصل إلى 105 دولارات عام 2014، كان له تأثيره الكبير على السوق العالمية للسلع والمواد الأولية، وعلى كبار المصدرين وحتى المستهلكين في أرجاء العالم. فكيف يمكننا توضيح نتائج هذا السقوط المدوّي للأسعار، وإلى أين تتجه؟ نشير أولاً إلى أن الاقتصاد العالمي يمرّ الآن في حالة ركود. وتعاني الصين، التي تعد المستورد الأكبر للنفط في العالم، من مشاكل سياسية بنيوية ومصاعب اقتصادية تركيبية من النوع الذي يثير الشكوك في إمكانية تجاوزها والتغلب عليها خلال السنوات القليلة المقبلة. وكان ذلك سبباً لاتجاه وكالات التنبؤ بصناعة الطاقة في العالم نحو تخفيض توقعاتها التي تتعلق بمستوى الطلب العالمي على النفط خلال السنوات القليلة المقبلة. وكان في وسع هذه المشاكل أن تهزّ المضاربين في الأسواق العالمية. وعندما كان المضاربون يشعرون بأن أسعار النفط ستشهد بعض الارتفاع، فلقد كانوا يميلون لشراء الطلبيات الآجلة على أمل بيعها بأسعار أفضل، فيما بعد، وتحقيق العوائد منها. وكانوا يساهمون بعملهم هذا في زيادة سعر النفط ومشتقاته مثل بنزين السيارات وزيوت التدفئة. إلا أن هذا النشاط لم يعد قائماً الآن لأن المضاربين متشائمون ولا يتوقعون عودة الأمور إلى نصابها. وما يمكن أن يحدث عادة في مثل هذه الظروف، فهو لجوء المملكة العربية السعودية إلى التحكم بتموين السوق، حيث تخفض إنتاجها حتى ترفع الأسعار. إلا أن المملكة اتخذت قرارها بعدم اللجوء إلى هذا الخيار، ربما لأن السعوديين يعتقدون بأن الأسعار المنخفضة للنفط لم تفعل فعلها المنتظر والكافي لوضع حدّ للطفرة النفطية التي تشهدها أميركا الشمالية. ويضاف إلى هذه المتاهة أن الخزينة الفيدرالية الأميركية (البنك المركزي)، من المرجح أن ترفع أسعار الفائدة عدة مرات خلال السنوات المقبلة، وبما سيضيف قوة دعم جديدة للدولار القوي أصلاً. وبما أن تجارة النفط تتم بعملة الدولار الأميركي، فإن قوته ستُترجَم بانخفاض إضافي في أسعار النفط. ولا شك أن الاقتصاد الصيني لن يستعيد عافيته بين عشية وضحاها، وهذا الحكم ينطبق أيضاً على بقية الاقتصادات الكبرى التي تعاني الركود. ومن المنتظر أن يقرر السعوديون تخفيض إنتاجهم من النفط خلال الأشهر المقبلة، إلا أن هذا لن يحدث إلا إذا اقتنعوا بأن بقية أعضاء منظمة «أوبك» سوف يحذون حذوهم، وعلى أن هذه الضغوط الهائلة التي تتعرض لها أسعار النفط تعد أخباراً سعيدة بالنسبة للأميركيين وللاقتصاد العالمي بالرغم من أنها لا تؤخذ على نفس هذا المحمل عند المنتجين. وهناك فصل آخر في هذه القصة، وذلك أن المفاوضين الذين صادقوا على اتفاقية باريس للتغير المناخي، أرادوا توجيه رسالة إلى الأسواق مفادها أنهم يرون أن حرق الوقود الأحفوري بات يعد عادة ممجموجة وعالية الكلفة. ولسوء الحظ فإن انخفاض أسعار النفط يرسل للعالم أجمع رسالة ذات مضمون نقيض لهذا، ولسبب بسيط وهو أنه يشجع على حرق النفط بلا حساب. *أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «أولد دومينيون- فرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»