في تلقي خبر ناقل لرحيل غال على النفس تكون الصدمة قوية ومربكة حيث ليس بالاستطاعة التعبير عن المناقب والمزايا. لأن الحزن يكبل الكلمات التي هي بدورها تتدافع مما يؤدي إلى حالة تزاحم كما خلية النحل، فمن تغليه وتقدره بصدق لكون التقدير المنبثق من المحبة التي تمثل قاسماً مشتركاً للاثنين.. وقع وفاة الزميل والصديق راشد فهد الراشد له تأثيره على النفس، وهذا التأثير مليء بالصور التي مثلت أمامي ساطعة على شاشة الخيال المستمد من وقائع كانت ولم تزل راسخة في الذهن. راشد صحفي مخضرم، فمنذ شبابه كان عاشقاً للصحافة وهاوياً لها ويسابق الزمن معها في الابتكارات التي تتطور بتطور المهنة، عرفته في بداية الستينيات من القرن الماضي وهو في منصب مدير تحرير (لمجلة الجزيرة) التي يملكها الأديب الذائع الصيت عبدالله بن خميس، وقد أوكل إليه هذا المنصب لأنه يرى فيه الشغف والتفاني وحب الصحافة مع هوايته لها، وكان يكد ويعمل ويسافر كل شهر إلى جدة حاملاً معه العناوين والصور التي كانت تحتاج إلى تصوير وحفر لا تتوفر إلا عند مطابع الأصفهاني، فعقد صداقات مع الصحفيين والأدباء في تلك الفترة، واستمر يصدر الأعداد، وكل شهر يظهر عدد جديد تلمس المغايرة فيه عن سابقه. وبعد صدور نظام المؤسسات الصحفية تحولت (الجزيرة) إلى أسبوعية، واستمر مديراً لتحريرها ينشد التطوير، حتى بعد أن تحولت إلى يومية ظل يقدم عطاءاته العملية والفنية إلى أن انتقل إلى جريدة «الرياض» مدير مكتبها في بيروت، ثم مدير تحرير، فنائباً للرئيس، ولكن المرض الذي كان يعاني منه لم يمنعه من العمل وبكل جدية وإخلاص، وبحرفية خلاّقة.. فماذا أقول، وأعدد من مزاياه؟ لقد تجاوزت عن الكثير عمداً وسهواً؛ لأن الخبر كان مؤلماً، ففقدان رفيق درب نشأت معه، وربط العمل بيننا وكان التآلف هو السائد، فنبل الرجل وشفافيته، وإحساسه الرفيع والرقيق آزرت تطور المحبة بيننا، وهو ما سأتوسع فيه في قادم الأيام إن شاء الله. كلمات عجلى عن فقيد عزيز علي أعزي نفسي فيه وأعزي أسرته الكريمة من شريكة عمر وأبناء، وكذلك الوسط الصحفي الذي عرفه مهنياً ناجحاً يهوى عمله منذ مدة تزيد على نصف قرن. وداعاً صديق العمر فستبقى ماثلاً في القلب دوماً.. وإلى جنات الخلد.. أبا غسان.. فرحمة الله واسعة..